مهند الكوفي
أزعمُ أن كتب عالم الاجتماع علي الوردي منتهية الصلاحية، وأشعرُ بندمه على بعض مؤلفاته في دراسة المجتمع. ما أساءه، أنه عاصر كل تقلبات العراق السياسية والاجتماعية، العراق في العهد الملكي غيره في العهد الجمهوري، وكذا الحال في العهد الاستبدادي. العراق بحاجة إلى أكثر من عالم في الاجتماع، العراق يُدرس كل يوم. وأوعزُ سبب اندفاع الوردي وحماسته تجاه مصير المجتمع ووحدانيته في علم الاجتماع العراقي، وحماسته أتت من صغر عمره، ساعده القراء المتحمسون الذين كانوا في مرحلة الشباب، أي في السن التي كان فيها.
أودُ القول: إن كتب علي الوردي قبل ثورة 1958 تختلف عن كُتبه ما بعد الثورة آنفة الذكر. وكُتب ثورة 1968 تختلف عما قبلها. والوردي في شبابه يختلف عنه في كهولته. مما جعل الوردي كاتبًا اجتماعيًا تحاصره الثورات السياسية والتقلبات الاجتماعية التي من شأنها أن تقف حجر عثرة أمام أي مفكر إلا إذا تخصص في دراسة عهد واحد، وفتح باب العهود اللاحقة لمن يود من طلبته الذين تخرجوا على يده لدراسة المجتمعات الجديدة التي هي الأخرى غريبة على عالم الاجتماع الوردي الذي عاش في عهد ملكي. نبصره قد غير بعض الآراء والمفاهيم في كتب ما بعد ثورة 1958.
يبدو أنه لو تخصص في دراسة المجتمع العراقي في العهد الملكي طيلة حياته، لوجدناه لا يختلف كثيرًا عن كارل ماركس الذي تبنى دراسة المجتمع الشيوعي في فترة محددة، ونظّر فيه وعُرفت نظريته بالنظرية الماركسية. ما برح علي الوردي عاكفا على نظرية ابن خلدون في الحضارة والبداوة، التي أثرت في وصوله للعالمية واعتمدها منهجًا أساسيًا في كل مؤلفاته. لو أنه اكتشف نظرية جديدة في فترة محددة من تاريخ العراق؛ لصار لا يقلّ شأناً عن ماركس وابن خلدون. فتصير نظريته الوردية منهجًا في أنظمة الحكم الملكية إلى اليوم.
ما بقي اليوم من أفكار له، تنعكس في موشور المجتمع العراقي الجديد، وتوزعت هذه الأفكار بين المدنيين والشيوعيين والإسلاميين، كل منهم عثر على فكرة التزمها حجةً. لا يختلفون فيه أبدًا؛ ليس لنبوغه وإنما لأفكاره المشتتة والمقسمة على كل التوجهات والأديان والطوائف. بينما خاصمه الشعراء، حينما قال رأيه في الشعر، إنه لا يصلح مع الحضارة الحديثة.
فكان خطؤه أن خاطب الطبقات السياسية والحكومة ومن يقف وراءهم ووضع كل اللوم عليهم، وهذا ما نجده في وعاظ السلاطين، الذي ندم على تأليفه. تناول فيه الحكومة المسؤولة عن تردي الأوضاع الاجتماعية، فعرف في كهولته أن المجتمع هو الملوم، وهذا ما نجده في دراسة في طبيعة المجتمع العراقي الذي ركز فيه متأخرًا على الفرد وغادر منطقة الإثارة والحماس.
الوردي كان يشعر بأنه بعد موته قد يُنسى، عندما سألوها قال: أظن أني سأكون بعد موتي من الذين ينساهم الناس، والواقع أني لا أعير لذلك أهمية تذكر، لأني بعد الموت سأذهب للقاء ربي، وسيان عند لقاء الله أن يكون الإنسان مشهورًا أو مغمورًا.