بغداد: نورا خالد
بدقيقة حدادٍ على روحه، بدأت جلسة استذكار للفنان الراحل ياس خضر في بيت المدى بالتعاون مع معهد غوته الألماني وضمن فعاليات "جاي توك"، تناولت الأصبوحة، التي قدمها الصحفي والباحث الموسيقي سامر المشعل إضاءات من حياة الراحل الفنيَّة، التي استمرت لأكثر من نصف قرن من الإبداع، حتى وفاته في الأول من شهر أيلول الحالي عن عمر ناهز 85 عاما.
المشعل عند اعتلائه منصة الحديث أشار إلى أن "قبل ربع قرن وخلال لقاء أجريته مع الراحل أكد أن أحبَّ الألقاب إلى نفسه هو "صوت الأرض".
مؤكدًا أن " خضر من الأصوات التي عبرت في سماء الأغنية والفن العراقي لا تتكرر، له ميزاتٌ خاصةٌ فيه يحمل صوت الوجع العراقي من أقصى الجنوب وطين الهور وغرين الفرات وصوت الثكالى، فهو لا يشبه أيَّ صوتٍ آخر".
ياس خضر من مواليد مدينة النجف العام 1938، ويعدُّ أحد أبرز مطربي جيل السبعينيات في العراق، بدأ حياته الفنيَّة في ستينيات القرن الماضي، وكانت أولى أغانيه المسجّلة للإذاعة أغنية (الهدل) التي ذاع صيتها آنذاك، بالتعاون مع الملحن العراقي الراحل محمد جواد أموري.
" الريل وحمد" ألحان محمد جواد أموري وكلمات مظفر النواب، كانت أولى اغنيات خضر بصوت الفنان كريم الرسام، الذي قدّم أجمل أعمال الراحل على مدى جلسة الاستذكار، التي استمرت قرابة الساعتين وسط جمهور غفير من محبي الراحل وفنه الاصيل.
ورصد اللحظات الأخيرة عن حياة خضر منذ دخوله المستشفى، وحتى رحيله مدير أعماله رزكار البرزنجي قائلا " تدهورت حالته الصحيَّة قبل رحيله بعشرين يوما استوجبت دخوله مستشفى مدينة الطب، ودخل بغيبوبةٍ، ومن ثم استفاق وطلب رؤية ابنه البكر مازن، وفعلا وصل إلى العراق من بريطانيا ليبقى مع والده آخر اسبوع من حياته".
وأوضح المشعل " شكّل خضر مع محمد جواد أموري ثنائيًّا متميزًا في بداية مشواره، وتوالت أعمالهم حتى نضجت وظهرت أغانٍ مهمّة جدًا في مسيرته، منها مرينا بيكم حمد، لا تسافر، وغيرها".
وأضاف "كان ياس خضر في بداياته الأقرب روحيًّا وذوقيًّا لأموري، كونه من طويريج، وخضر من النجف، ومن خلال هذا التقارب الجغرافي جمعتهما المصادر المعرفية والذوقية، لذلك اتسمت بداياته بسطوة الحزن الكربلائي، لكن في ما بعد تنوعت تجربته مع طالب القره غولي ونامق أديب، وأخذت منحىً وطابعًا آخر وحداثويَّةً أكثر في الأغنية العراقيَّة".
"روحي لا تكلها شبيج" ثاني الأغنيات التي قدمها الرسام وأمتع من خلالها الجمهور، الذي امتلأ به قاعة بيت المدى.
الباحث الموسيقي حيدر شاكر أوضح خلال مشاركته أن "خضر صوتٌ فراتيٌّ لن يتكرر، قدّم الغناء الفراتي الصعب جدا، كونه قريبًا من الريف والمدينة، ولم يقتصر على ذلك فقط، بل قدم أغنياتٍ مفرحةً أيضا، لكنه عرف بالغناء الحزين مقدمًا على مدى نصف قرن مئات الأغاني، التي كانت وستبقى في أذهان الجمهور العراقي والعربي".
"تعال لحبك اني اشتاك" من الأغاني التي ألهبت حماس الحضور، وردد مع الرسام كلماتها مستذكرين إبداع الراحل باختياره النص واللحن.
الدكتور عبد الله المشهداني بيَّن أن "الملحن الكبير طالب القره غولي راهن على صوت ياس خضر، وكان على حقٍ، فصوت خضر مميزٌ يشتغل على مختلف مناطق الأصوات، القرارات والوسطى وفي الجوابات وأحيانا في جوابات الجوابات".
خاتمًا المشهداني" قدمت له ألحانٌ تميّزت بأن جوهرها روح الأغنية البغداديَّة، لكن في مظهرها أغنية ريفيَّةً، وهنا تأتي قدرة الملحن في إظهار هذه السمات".
بعدها أطرب الرسّام الحاضرين بالأغنية الشهيرة "اعزاز"، وكان آخر المتحدثين فلاح الخياط الذي وصف صوت الراحل بأنه "خامةٌ فريدةٌ لا تتوفر عند غيره من
المطربين ".
وختم المشعل "جلسة الاستذكار هذه ليس حزنًا على الكبير ياس خضر كونه في وجداننا يستمر حتى بعد رحيله وهنيئًا له هذا الفن الثري والزاخر، وهذه المحبة التي يكنّها له جمهوره الكبير".