{تعنُّتٌ} تركيٌّ يعترض استئناف ضخّ النفط العراقي إلى جيهان

ريبورتاج 2023/11/27
...

 نافع الناجي

شهور عدة مضت، منذ أوقفت الجارة الشمالية تركيا تسلم النفط الخام العراقي المصدر عبر ميناء جيهان، ولا يزال الجانب التركي (متعنتاً) ويفرض شروطه مقابل استئناف ضخ الخام من الحقول الشماليّة، الأمر الذي سبب خسائر مادية كبيرة للعراق تقدر بمليار دولار شهرياً، فضلا عن التسبّب بأوضاع كارثيّة للاقتصاد المحلي في إقليم كردستان وتخلفه عن سداد مستحقات مالية كبيرة للشركات الأجنبية المستثمرة لبعض الحقول في الإقليم.
قرار هيئة التحكيم
واضطرت الحكومة الاتحادية إلى وقف تصدير نحو 450 ألف برميل نفط يوميّاً من الحقول الشمالية إلى تركيا، بعد قرارٍ لهيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، إثر انتهاء دعوى التحكيم المرفوعة من قبل الحكومة العراقية السابقة ضد (أنقرة) بشأن اتفاقية خط الأنابيب العراقيّة التركيّة، والتي قضت بعدم قانونيَّة تصدير إقليم كردستان للنفط من دون موافقة بغداد، الأمر الذي بات يُهدد استقرار الإقليم ونهضته الناشئة.

علاقة متوترة وعجز مالي
يقول المحلل الاقتصادي عبد الرحيم صادق، إنَّ "عدم الاستقرار في ملف النفط والغاز، يسحب بغداد وأربيل نحو علاقة متوترة اقتصادياً، وتنظيم هذه العلاقة يبقى مرهوناً بإقرار قانون يتيح للطرفين أرضيَّة للتفاهم تجنّبهم الخسائر الاقتصاديَّة المتكررة".
وأضاف: "الشروط التركية بحسب ما أوردته وكالات ومواقع عالمية، ستترتب عليها جوانب اقتصادية مجحفة يتعيّن على العراق الالتزام بها، في وقتٍ سجلت موازنة البلاد الاتحاديّة عجزاً يقدر بثمانية مليارات دولار لغاية الأسابيع التي سبقت حرب غزّة". ولفت صادق "أعتقد أن (الإملاءات) التركية مجحفة ولن تلتزم الحكومة العراقية بتنفيذها، فإن كان الاتفاق اقتصادياً يتعلق بالنفط فقط، فيمكن تعويض حصّة الإقليم من المنافذ الجنوبيّة وزيادة الضخ والتصدير"، واستدرك "لكن إن كانت هناك شروط أخرى غير اقتصادية كملف المياه أو ربما ملف (البكاكا) أو أي ملفٍ آخر، فلا أعتقد أن الأمور ستختلف في طرق التفاوض".
خسائر فادحة
ويتكبّد العراق خسائر مالية فادحة بشكلٍ يومي منذ شهر آذار المنصرم، فضلاً عن المخاطر السياسيّة التي باتت تهدد الاستقرار في إقليم كردستان الذي تضرر كثيراً، بسبب توقف تصدير النفط الى تركيا، وتفاقمت الأزمة بعد كسب العراق دعوى قضائيَّة لدى المحاكم الدوليَّة تؤكد سيادته على إدارة ثروات البلاد وفرض تعويضات مالية على الجانب التركي تصل الى مليار و475 مليون دولار، الأمر الذي دفع (أنقرة) الى فرض شروط حملها وزير الخارجية في زيارته السابقة الى بغداد مقابل استئناف تصدير النفط.

شروط مجحفة
الإعلامي والأكاديمي عدنان سمير، قال "تتصدر الشروط التي تلوّح بها أنقرة، سحب الدعوى المقدمة الى محكمة التحكيم الدوليَّة، وتحمل تكاليف نقل النفط المقدر بثلاثة عشر دولارا لكل برميل، وهناك شروط أخرى قد يكون بعضها مرتبطاً بتدفق المياه في حوضي دجلة والفرات".
وفي هذه الأثناء وجد الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه أمام تحدٍ وجودي في ظل التحذيرات المتزايدة من انهيار الوضع في الإقليم، ونوقش ذلك في زيارة رئيس الحكومة السوداني ووزير النفط خلال زيارتهما مؤخراً لأربيل، والسعي للمساهمة بإنضاج قانون النفط والغاز لتشريعه كحلٍّ نهائيٍّ لأزمة تصدير النفط التي بدأت تحاصر الإقليم، وهو ما يراه سمير "يمنح الحكومة الاتحادية وسائل مضافة لمواصلة الضغط على حكومة الإقليم وأنقرة، والاستفادة من موقفها القانوني والسياسي لضمان سيادتها على الثروة النفطيَّة، وكذلك إجبار تركيا على منح امتيازات أخرى للعراق وفي مقدمتها ملف المياه".
ويلفت عدنان سمير النظر الى أهمية "تحديث ملف الأنبوب النفطي العراقي المار عبر سوريا الى (بانياس) على البحر المتوسط وضرورة إصلاحه والإفادة منه في حال تحسّن الوضع الأمني في الجارة الشقيقة، والتخلّص من الهيمنة التركيَّة على ملف تصدير النفط العراقي نحو أوروبا".

مديات الربح والخسارة
النائب السابق في البرلمان الكردستاني والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني عبد السلام برواري، يقول: "أعتقد أنّه من الصعب جداً أن يتم الاتفاق مع الحكومة التركيّة، لكن على حكومة السيد السوداني أن تحسب مديات الفائدة والخسارة من تعطل تصدير النفط من الحقول الشمالية وآثارها المدمّرة". مضيفاً: "من الناحية العملية فإقليم كردستان لا يصدر النفط، فهل هذا مبرر كافٍ يجعل حكومة بغداد أن لا تفي بالتزامها أمام 5 - 6 ملايين من مواطنيها، بمعنى كانت الحكومة تقوم بقطع الميزانية سابقاً لكون الإقليم يصدر النفط والآن لا يوجد تصدير للنفط فماذا حصل؟".
ويقترح برواري، أن "يحصل توافق بين بغداد وكردستان، كي تكون حكومة الإقليم متوافقة مع طروحات الحكومة المركزيَّة، وعند الذهاب للتفاوض مع تركيا نكون جبهة متراصة واحدة وبلا خلافات عالقة بين الجانبين".
وسبق أن أطلقت الحكومة المركزيّة مؤخراً، مبالغ كبيرة الى حكومة الإقليم لسداد رواتب موظفيها، فضلاً عن مبالغ أخرى لدفع مستحقات الفلاحين الذين سوّقوا محصول الحنطة لصوامع الدولة.