المراجعة الغائبة

آراء 2023/11/30
...

 ساطع راجي


مع اشتداد الحملات الانتخابية للمتنافسين على مقاعد مجالس المحافظات، تتصاعد سقوف الوعود التي يقدمها المرشحون وقوائمهم، وفي حمى السباق تتناسى الاطراف المتنافسة الغضب الشعبي الذي كان يستهدف مجالس المحافظات لسنوات حتى صارت هذه المجالس أبرز مواقع عنف التظاهرات الشعبيَّة باستمرار.

يرفض المتنافسون في سباق مجالس المحافظات الاهتمام بمصادر الغضب الشعبي تجاه هذه المجالس أو مراجعة نقاط الضعف والاساليب التي أضعفت دور هذه المؤسسات الدستورية خلال السنوات الماضية، وكالعادة صار اجراء الانتخابات بحد ذاته هو الهدف، وانحصر النقاش بين دعاة المشاركة أو المقاطعة الانتخابية على المواقف الحزبيّة العموميّة، من دون الاعتراف بالأداء السيئ السابق الذي شاركت فيه القوى كلها.

لم يتقدم أي طرف متنافس في السباق الانتخابي على التعهّد بعدم العودة إلى الأساليب القديمة في إدارة المحافظات والتي تسببت في تعطيل المجالس وتحويلها إلى خنادق لمعارك حزبيّة وشخصيّة لا تنتهي ومراتع للفساد ومواقع للعرقلة، ووضعت جميع المتشاركين في إدارة السلطات المحليَّة تحت مطرقة الغضب الشعبي الذي أحرق مباني بعض المجالس واقتحم أو حاصر البعض الآخر حتى جاء قرار القضاء بحل المجالس لعدم دستوريّة تمديد عملها بعد فوات موعد انتخاباتها، وكان القرار بمثابة عيد عند كثير من المواطنين رغم أن هذه المجالس يجب ان تكون المؤسسة الأقرب للمواطن نظراً لمهامها الخدميَّة وابتعادها عن الأزمات السياسيَّة الكبرى التي تشغل البرلمان الاتحادي.

ونحن نقترب من الموعد الانتخابي، من الضروري الوصول إلى اعتراف سياسي بوجود نوع من العداء الشعبي للمجالس وان الأداء السابق كان سببا في ذلك العداء، ولهذا الاعتراف أكثر من ضرورة، إذ يجب ان يكون دافعا لتغيير منهج القوى السياسية في إدارة شؤون المحافظات وعدم تكرار الازمات المعطلة للمجالس وللمحافظين، والضرورة الأخرى هي التمهيد النفسي والسياسي لاِحتمالية المشاركة الانتخابية الضعيفة المتوقعة، وهو ضعف ليس سببه دعوات المقاطعة بالدرجة الاولى وانما التجربة المريرة السابقة.

وكان من المتوقع ان ينهض البرلمان بمهمة إصلاح ومراجعة أداء وهياكل مجالس المحافظات بالتزامن مع التمهيد لانتخاباتها أو قبل ذلك، وقد توفرت فرصة كبيرة للإصلاح والمراجعة مع وجود تحالف سياسي كبير وهدوء عام في البلاد، لكن الفرصة الذهبيَّة ضاعت مثل 

سابقاتها.