المسؤول عن تهجير اليهود في العراق؟

آراء 2023/11/30
...







 نرمين المفتي 


منذ تأسيس الكيان الصهيوني في 1948، اختلفت أنظمة الحكم في العراق وسياساتها، إلّا أنّها كلها اتفقت بأمر واحد ومهم وهو أنَّ الحكومة العراقية لم تكن مسؤولة عن تهجير 80% من العراقيين اليهود إلى الكيان في 1951. 

واستمرت هذه الحكومات المتعاقبة تؤكد بأنَّ المنظمات الصهيونية هي التي وضعت خططاً لترهيب اليهود وتخويفهم من خلال عمليات استهدفت تخريب مصالحهم التجاريّة والهجوم على بيوتهم واغتيال عدد من شخصياتهم، وكانت تلك العمليات منظمة جداً، وفشلت السلطات في كشفها مما جعلهم أن يصدقوا الشائعات التي أطلقتها تلك المنظمات أيضا بالتزامن مع تنفيذ عملياتها بأن الحكومة العراقية تعمل على إبادتهم مما دفعهم في النهاية إلى الهجرة، بينما استمرت الرواية الصهيونية تدعي أن السلطات العراقية آنذاك قد اتخذت موقفا عدائيا من اليهود قبيل وبعد قيام الكيان فقررت طردهم من العراق وتجريدهم من جنسيتهم. 

وكلما نجحت الجهود بتخفيف النبرة الطائفية في العراق أو كلما أصرَّ غالبية العراقيين على انحيازهم للقضية الفلسطينية، نجد على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات أما لعدد محدود من العراقيين الذين يعتقدون أن الثقافة والتحضر يعنيان ترويج ما يصفونه (بالحيف) أو لذباب الكتروني تديره أجهزة صهيونيّة ودائماً يروجون الرواية الصهيونية بأن العراقيين كانوا المسؤولين عمّا حدث لهم ومعهم ومن بينها فقدانهم لممتلكاتهم، هنا لا بدَّ من جملة اعتراضيّة وهي أنَّ «الفرهود» لم يستهدف ممتلكاتهم فقط، ففي حوادث أخرى وأقربها إلى تاريخ «تهجيرهم» كانت فرهدة القصر الملكي صبيحة يوم 14 تموز، هنا لا أحاول أبداً الدفاع عن الذين ارتكبوا ويرتكبون فرهدة الممتلكات والاموال الخاصة والعامة، انتهت الجملة. 

كان اليهود العراقيون من مكونات الشعب العراقي ولا أنفي ان لدى البعض منهم ما يزال حنين إلى الوطن العراقي، خاصة أولئك الذين رفضوا الهجرة إلى الكيان واختاروا الذهاب إلى أوروبا وأمريكا واحتفظوا بجوازات سفرهم العراقيّة ولكن الحديث عنهم يجب ان يبتعد عن العاطفة وانما بالوثائق خاصة وأن جميع الانظمة التي حكمت العراق قامت بالتحفظ على ممتلكات اليهود ولم تصادرها حتى الآن.. في كتابه (فضائح بن غوريون: كيف قضى الهاغناه والموساد على اليهود- 

Ben-Gorion’s Scandkes: How the Haganah and the Mossad Eliminated Jews)

 ينشر (نعيم غيلادي) وبالوثائق كيف قادت المنظمات الصهيونية السرية (حظرت السلطات العراقية نشاط الحركة الصهيونية على أرضها عام 1935، معتبرة من ينضم اليها خائنا) الحملة لتهجير اليهود العراقيين خاصة وأنه شخصيا كان قائدا لإحدى الحملات.. 

لا أدري إن كانت هناك ترجمة عربيَّة للكتاب الذي نشره غيلادي في نيويورك في 1998، بعد منع نشره في اسرائيل وهناك انتظر اكثر من 4 سنوات ليتمكن من نشره، ويتحدث كشاهد للتاريخ كيف تم ارغام اليهود العراقيين على الهجرة. وجذب الكتاب العديد من الباحثين السياسيين والدارسين للفضائح السياسية التي (أسست الكيان). وكان غيلادي صهيونيا متزمتا وفور وصوله إلى ما كان يراها (أرض الميعاد) عُيِّنَ مسؤولا في الموساد ولكنهم حين اكتشفوا أنه من العراق وليس من أوروبا كما يبدو من لقبه، تم طرده وكانت تلك اللحظة الفاصلة في حياته. فلقبه الأصلي (خلاصجي) وكانت عائلته المنحدرة من الحلة والمستقرة في بغداد تمتهن مهنة تخليص الذهب من الشوائب، وكُتب لقبه باللغة الإنكليزية في جوازه بصورة قُرِئت وكأنّه من الأشكناز (يهود أوروبا) وليس من السفارديم الشرقيين والذين كانوا يواجهون العنصريَّة في التعامل معهم. وكان قد هرب من السجن في بغداد بعد الحكم عليه بتهمة الانتماء إلى منظمة صهيونيَّة محظورة. يقول غيلادي في مقدمة كتابه بأنَّ “والده نصحه بالتوقف عن ارتكاب الجرائم ضد اليهود وأن العراق بلده وأنه يوما سيقف مثل كلب ذيله بين ساقيه على حدود العراق ولا يتمكن من دخول بلده” ويضيف: “أنا حاليّاً ذلك الكلب”. يشير غيلادي بالأسماء والتواريخ والوثائق إلى الجرائم التي ارتكبها الموساد والهاغناه بأوامر بن غوريون لإرغام اليهود على الهجرة من العراق، ويشير ضمنا إلى ان هكذا جرائم تكررت في دول عربية أخرى أيضا. ان الكثير من اليهود غير المتصهينيين لا يؤمنون بفكرة (أرض الميعاد) ويعد الملتزمون دينياً بأن هذه الفكرة عصيان لأمر الرب الذي حكم عليهم بالشتات لانكارهم لأوامره وقتلهم الانبياء، ولدينا مثال واضح على هؤلاء في قيادتهم المظاهرات الحاشدة في نيويورك حيث يسكن غالبيتهم في أمريكا وفي ولايات أخرى ضد الحرب في غزة ويطالبون بفلسطين حرة وكانوا قد قادوا المظاهرات ضد غزو العراق. 

حزيناً ونادماً ووحيداً توفي غيلادي في 2010 وقطعاً ليس وحده الصهيوني التائب وهناك غيره ولكن الدعاية الصهيونية تعمل دائماً على إسكاتهم بأية وسيلة كانت.