حوادث الطرقات : تصاعدٍ مستمر
فجر محمد
اندفعت بسيارتها الرياضية صوب (الجزرة الوسطية)، ولكنها لحسن الحظ سيطرت على الموقف في اللحظات الاخيرة، اذ جلست الشابة الصغيرة، التي تقود السيارة خلف المقود وهي ترتعش من الخوف، عندما كادت تفقد حياتها، نتيجة انشغالها بالهاتف الجوال، كما تحدث أحد المارة الذي كان يراقب المشهد عن قرب.
بحسب التقارير والتصريحات الصادرة عن وزارة الصحة في وقت سابق هناك زيادة في حوادث الطرق، نتيجة الاستخدام الخاطئ للهواتف المحمولة أثناء قيادة السيارة، اذ يُعرِض مستخدمي السيارات والمشاة في العديد من تلك الحوادث إلى اصابات خطيرة وأحيانا مميتة.
وفي دراسة أجراها أحد مراكز البحوث الاميركية، تبين أن هناك جزءًا كبيرا من الزيادة الحاصلة في الحوادث المرورية، سببه استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة، اذ تشير تلك الدراسة إلى أن غالبية حوادث السير، اصبحت تحدث نتيجة استخدام الهاتف الجوال، اما للاتصال أو لكتابة الرسائل النصية، مما يتسبب بفقدان تركيز السائق وتشتته وبالتالي يؤدي إلى حوادث واصطدامات عديدة.
ويرى الاكاديمي والباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ستار البياتي، أن غياب الثقافة المرورية والتوعية بالنسبة لفئة الشباب تحديدا، كان سببا لحدوث العديد من الحوادث، التي راح ضحيتها عدد لا يستهان به من الافراد.
طرقٌ متهالكة
اما سعيد ابراهيم يمتلك ذكرى مؤلمة وسيئة، مع حوادث الطرق، اذ ما زالت خسارته وفقدانه الأهل شاخصة في ذاكرته، فقد خسر شقيقه ووالدته وخالته، في حادث سيارة على إحدى الطرق الخارجية السريعة، وذلك أثناء عودتهم من إحدى حفلات الزفاف، التي كان يقيمها أحد الاقرباء. ويقول سعيد وهو يعود بالزمن إلى الوراء: "ما زلت اتذكر جرس الهاتف الذي رن في الليل، وسمعت بعدها صرخة شقيقتي الصغيرة وبكاءها، اذ اتصل أحد الأشخاص ليبلغنا بوفاة أفراد اسرتي، بعد انقلاب السيارة التي كانت تقلهم نتيجة اصطدامها بسيارة كبيرة (لوري)".
ويروي سعيد ما حدث قائلا: "كان شقيقي الاكبر رافد هو من يقود السيارة، ووفقا لتقرير الحادث فإن التصادم حصل عندما أتت السيارة الاخرى مسرعة، وفقد سائقها السيطرة فأدى إلى الاصطدام وتناثر زجاج السيارة، ووفاة كل من كان فيها، بضمنهم سائق لسيارة الأخرى أيضا.
ويلفت مدير إعلام المرور العامة العميد زياد القيسي في تصريح سابق، إلى أن أغلب الحوادث المرورية، تتمثل بالسائق والمركبة فضلا عن الطريق، إذ إن النسبة الأكبر من تلك الحوادث تقع على عاتق السائق، كذلك رداءة الطرق وافتقارها إلى الأعمار والتأهيل.
من جهته صرح الناطق باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي عن وجود زيادة واضحة في الحوادث المرورية خلال العام الماضي، إذ سجل اكثر من ثلاثة آلاف حادث مميت، فضلا عن اكثر من 4 آلاف حادث آخر أدى بأصحابه إلى اصابات بالغة، كما سجل أكثر من 12 ألف مصاب نتيجة حوادث مرورية، يضاف إليها الاصطدام والدهس.
أحيت منظمة الصحة العالمية في عام 2018 ذكرى حوادث الطرق، وذلك بهدف تسليط الضوء عليها أكثر والتثقيف بهذا الجانب، اذ سجلت الاحصائيات وصول عدد الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق السنوية إلى اكثر من مليون وفاة. وتعد الإصابات الناتجة عن حوادث الطرق بحسب تلك الاحصائيات سببا مباشرا لوفاة الأشخاص، الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و29 عامًا. وبحسب تقرير المنظمة فإن أكثر من يتضرر من تلك الحوادث هم المشاة وراكبو الدراجات الهوائية والنارية، خصوصا أولئك الذين يعيشون في البلدان النامية.
وسائل نقل جديدة
دخلت البلاد وسائل نقل لم تكن متداولة أو معروفة سابقا، ومنها "التك توك والستوتة"، وهي الاخرى كانت سببا في حدوث فوضى مرورية، وهذا ما أكده الباحث والاكاديمي الدكتور ليث علي لأن غياب وسائل النقل العامة، فرضت على المواطن اللجوء اليها.
مبينا أن أغلب الحوادث التي تحدث فيها خسائر بشرية، تسجل على الطرق العامة الخارجية فهناك الكثير من السيارات لا تصلح للتنقل الخارجي، ولكن على الرغم من ذلك يقوم اصحابها بالسفر على تلك الطرقات، كذلك مع غياب الرقابة المرورية والرادارات اسوة بدول العالم المتطورة، وبالتالي إفلات المتجاوز من العقاب، لذلك من المفترض أن تكون هناك رقابة وخططٌ مرورية جديدة، تتماشى مع الزخم الحاصل في استخدام السيارات، سواء في الطرق الداخلية أو الخارجية.
غياب التأهيل
تزامن فقدان سعيد لعدد من افراد اسرته، مع بداية الاحتفالات بالعام المنصرم، ولم يدر بخلده أن هذا العام لن يحمل في طياته سوى الحزن والخسارة، ويحمّل سعيد التخسفات في الطرق الخارجية مسؤولية الحوادث العديدة التي تحصل بشكل مستمر، فضلا عن غياب التخطيط المدروس وتأهيل الطرق، نظرا لزيادة اعداد السيارات المستوردة، وبقاء تلك الطرق على حالها دون إعمار، مع غياب الطرق الخاصة بالسيارات الكبيرة.
تشير التقارير والدراسات إلى أن العديد من المحافظات بضمنها العاصمة بغداد، تعاني من رداءة الطرقات، التي تفتقر إلى الإعمار وتتسبب بالعديد من الحوادث.
ويشير الباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ستار البياتي إلى أن العديد من البنى التحتية، لم يتم تأهيلها بالشكل المطلوب، قياسا بزيادة عدد السيارات، خصوصا في الوقت الذي فتح فيه باب الاستيراد على مصراعيه، دون ضوابط أو معايير تتلاءم مع طبيعة البلاد والطرقات.
ومؤخرا صرحت لجنة الخدمات والإعمار في مجلس النواب، عن نية الحكومة إنشاء أكثر من 8 جسور وذلك بهدف النهوض بالواقع الخدمي والطرقات في البلاد. في حين تشير الدراسات والتقارير إلى حاجة العديد من الطرق الخارجية إلى التأهيل، وعلى الرغم من وجود الآليات والمعدات، التي توحي للمشاهد بوجود عمل وتأهيل، إلا أن مسار العملية بطيء جدا ويأخذ وقتا طويلا على ما يبدو.
رصانةٌ وجودة
بينما تعتقد ميلاد رحيم أن جودة السيارات وانعدام رصانتها، هما ايضا أحد أسباب ارتفاع حوادث الطرق بشكل ملحوظ، فمع انفتاح السوق المحلية على مختلف الشركات، دخلت علامات تجارية متنوعة من السيارات، وترى ميلاد أن هناك عددا لا يعد ولا يحصى من تلك الماركات لا يتمتع بالرصانة والجودة المطلوبة، ولهذا عند حدوث اصطدام معين، قد لا يمر الأمر بسلام، ناهيك عن تحطم السيارة بالكامل.
وفي تقرير لها بيّنت شركة "فوكس تو موفي" المختصة ببيانات بيع السيارات، ان العراق في عام 2021 حقق نسبة مبيعات عالية، وكان هو الاكثر نموا في سوق بيع السيارات، اذ تم بيع اكثر من سبعة آلاف سيارة، اما في بداية هذا العام فقد لوحظ انخفاض واضح في المبيعات ومن مختلف المناشئ العالمية.
ومن وجهة نظر مروان قيس الذي يمتلك هواية تغيير وتبديل السيارات بشكل مستمر، فان هناك علامات تجارية مختلفة دخلت البلاد، منها رصين وذو جودة عالية، وعلى وجه الخصوص العلامات التجارية المعروفة، في حين ان هناك علامات متوسطة الجودة وليست بالرصانة والمتانة المطلوبة.
ويقول مروان: "تتميز سوق بيع السيارات بالتنوع والاختلاف، فهناك من يفضل شراء سيارة غالية الثمن بمواصفات عالية، بينما يفضل اخر واحدة رخيصة الثمن لا تتمتع بالمواصفات والجودة المطلوبة".
يعتقد الباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ستار البياتي أن جودة ومتانة السيارات تغيرت كثيرا، فعلى الرغم من ان منشأها أمريكي أو ياباني، إلا أنها لم تصنع في تلك الدول، وذلك بسبب ما يعرف بتدويل الانتاج، وامكانية الحصول على الامتياز لتصنيع قطع غيار تلك السيارات في دول اخرى غير المنشأ الأصلي، كما نوه البياتي بأن موضوعا آخر، وهو أن السيارات الرخيصة الثمن غالبا ما تكون غير قادرة على تحمل الاصطدامات، التي قد تحصل بينها وبين سيارة اخرى، كما يذكر البياتي أن هناك دولًا تراعي دخل الفرد الاقتصادي في المجتمع، وتوفر مركبات تلائم ذلك الدخل وأيضا طبيعة الطرق والمناخ بصورة عامة.