المُدرّجات.. مكانك اللائق

الرياضة 2023/12/11
...

علي رياح

في أمسية واحدة شاهدتُ تصريحات في ثلاثة برامج لواحد من مشجعي الأندية. كان يشكو الحال، ويوزع الاتهامات، ويقيّم عمل المدرب، ويتوعد الحكام. الخلاصة أنه كان يمارس هوايته في إطلاق الأحكام والتقييمات على شخوص في تخصصات كروية مختلفة، فالبعض حين تشتدّ به الحماسة، يُجيز لنفسه قراءة بيان التغيير، أعني الانقلاب في النادي الذي يفترض أنه يشجعه ويؤازره.
لا أستكثر على أي طرف في الوسط الكروي عندنا أن يُطلق العنان للسانه في التعبير عن رأيه، فذلك حق أرى أنه يجب أن يكون مُتاحاً بين حين وآخر، ولكن في حدود وانضباط كلما كانت هنالك مناسبة لاستطلاع رأي الجمهور، لكن أن تتحول هذه الممارسة إلى أصل وأساس يغزو شاشاتنا كل يوم تقريباً، فهذا أمر يستوجب وقفة، ويستدعي مراجعة، بدلاً من أن يتحوّل البرنامج الرياضي الذي يستغرق ساعة من وقت المشاهد إلى مبارزات في العلن يُظهر فيها المشجعون قدراتهم على الشكوى والتذمر، إلى الحدّ الذي صار فيه رأي المشجع هو الذي يحكم ويتحكّم مهما تكن طبيعة هذا المشجع أو حدود قدرته على فهم كرة القدم وفنونها وأسرارها.
يتاح لي كثيراً بحكم المهنة، رصد الدوريات الكروية في العالم بكل تفصيلاتها، ولا أجد هذا الزخم الشديد للضغوط الجماهيرية على فرقها. حتى في المجال القريب وأعني به العربي، لا أعثر على هذا التوسع المُفرط والعجيب في التعاطي مع ردود أفعال الجماهير، فالأولوية تذهب إلى اللاعب والمدرب والإداري والمسؤول لاستيقافهم ومحاولة تقصّي ما يجري من منطلق أنهم أولو الأمر وأنهم معنيون تماماً بالعثور على الثغرات والعمل على ردمها، كونهم من يضع السياسة والستراتيجية وهُم في خاتمة المطاف من يجب سؤاله أو مساءلته من الجمهور نفسه في المقام الأول اتّباعاً لسياقات تحترم التخصص.
في أحيان متقاربة جداً أرى مشاهد درامية بعد المباريات، يلطم فيها المشجع على الخدود، أو يشد شعر رأسه، أو يشق الجيوب تعبيراً عن الغضب، وتهيمن عليه نوبة سخط تشمل الجميع ولا تدّخر أحداً، ثم يسند لنفسه مسؤولية اتخاذ القرارات الحاسمة. كل هذا يجري لمجرد أنه يجد الكاميرا وهي تدور لتحثـّه على أن يشعل الجو.
الجمهور مكانه المدرجات.. عبارة تصدق كثيراً، وأنا من أشد المؤمنين بها. ففي مكان كهذا يمكن للمشجع أن يؤازر خصوصاً في اللحظات العصيبة التي تستوجب الوقوف خلف الفريق حين يتأخر أو يتعثر. هذه الوظيفة هي الأصل الذي درجت عليه ملاعب الكرة ومدرجاتها في أي موضع من الدنيا، أما (مغادرة) المدرجات ومحاولة أداء الأدوار المناطة باللاعب والمدرب والإداري والمسؤول، فلا تنتج لنا سوى الفوضى، ولا تزيد الأوضاع المتردية إلا تردياً أكثر. نحتاج إلى توعية مستمرة بما يمكن أن يقدمه المشجع وهو يربض على مقعده ليُبدي كل صور الوفاء والتمسّك بحبه لفريقه، لا أن نفتح الأبواب كل مساء أمام الوجوه نفسها، بالتصريحات الناقمة ذاتها كي تستأثر بالكاميرا وتستحوذ على المشهد في ظل هذا الضعف الشديد في أداء بعض الإدارات و(هزال) فكرها الكروي، وتلك معضلة أخرى عندنا تنمو وتكبر على نحو عجيب.