تقييم الاقتصاد العراقي

اقتصادية 2023/12/12
...

ياسر المتولي 



هناك مؤشرات  تمكِّن المحلل الاقتصادي من الحكم على اقتصاد أي بلد ما إذا كان  منتعشاً أم اقتصاداً تعباناً أو منكمشاً  .

المعيار الحقيقي والمؤشر الأساسي لتقييم حالة الاقتصاد ما إذا كان منكمشاً أو منتعشاً هو القوة الشرائية في ذلك البلد فكلما يرتفع معدل الاستهلاك  فيؤشر  انتعاشاً اقتصاد ياً للبلد  وبعكسه فعندما  ينخفض مستوى الاستهلاك معناه أن اقتصاد  البلد منكمش (تعبان).

إزاء هذه النظرية الاقتصادية كيف نقيم حالة الاقتصاد العراقي ؟

وتقييمنا لحالة الاقتصاد العراقي بغض النظر عن الأداء الاقتصادي فذلك شأن آخر ،حقيقة التشوُّهات في بنية الاقتصاد العراقي تضع المحلل في حيرة من أمره في تقييم الوضع الاقتصادي وهذا التقييم هو الأساس في مساعدة راسم السياسة الاقتصادية لاتخاذ القرارات السليمة والصحيحة لتحقيق النمو المتوازن التي تديم الانتعاش أو تعالج الانكماش .

ولكن التشوُّه البنيوي الذي يشوب اقتصادنا الوطني يضع الجميع في متاهات سوء التقدير والتخطيط لذلك تواجه عملية الإصلاح الاقتصادي في البلد تحديات من هذا القبيل تعيق تحقيقه وأقصد الإصلاح الاقتصادي الذي ننشده .

وأكثر ما يعقِّد المشهد الاقتصادي ويعيق الحلول الناجحة هو غياب الإحصاءات والأرقام الدقيقة، والتي سبق أن تناولتها في مقال سابق هنا في اقتصادية الصباح والذي  حمل عنوان خداع الأرقام الاقتصادية .

حيث يلاحظ أن أغلب الإحصاءات المعلنة هي تقديرية وغير واقعية فتعطي صورة مشوَّهة ،، فعلى سبيل المثال أرقام معدلات البطالة ونسبة الفقر وحجم التضخم ونفوس  سكان العراق أيضاً تقديرية  لغياب التعداد العام للسكان منذ ما يقرب من أربعة عقود وهذا هو ثاني مؤشر من  مؤشرات تقييم حالة الاقتصاد العراقي .

ولعل أقرب مثال على ضبابية مشهد الاقتصاد العراقي هو حين تنظر إلى معدلات الاستهلاك بكل المقاييس 

سواء بالبضائع الأساسية أوالكمالية ومستوى التطور المتسارع في اتساع المد الحضري سواء في مشاريع السكن والمولات والمطاعم  أضف إلى ذلك البضائع والسلع  الفائضة عن الحاجة تفترش  الشوارع والأرصفة وتملأ المخازن من دون تخطيط تؤشر  لك أن هناك انتعاشاً اقتصادياً كبيراً  

في المقابل حين تقرأ وتسمع بنسب الفقر وحجم البطالة  التقديرية توشر لك أن الاقتصاد تعبان ،،وسبب هذا التناقض  هو بالتأكيد غياب الإحصاءات الدقيقة والحقيقية والتي تربك الحكومة في معالجة أوضاع الطبقات الهشَّة والفقيرة على نحو يحقق الرفاه الاجتماعي للجميع .

من كل ذلك نستنتج أن تقييم حالة الاقتصاد العراقي غير منطقي  وهو السبب في تشوُّه الصورة الحقيقية له .  

وهذا المؤشر يعيق  الحكومة في معالجة الفقر والبطالة وتقدير الحاجات الفعلية فتكون الضائعات كثيرة والتي تؤثر في إمكانية إصلاح  التشوُّه البينوي للاقتصاد .

وهناك أمثلة عديدة فالكثير ممن يستحوذ على حصص الطبقات الهشَّة للاستفادة من قرارات  الدعم   بدون استحقاق ولو خصصت تلك الضائعات للمستحقين فيمكن أن تقضي على حالة الفقر وتقلل من نسب البطالة وأكبر دليل هناك حالات يتم اكتشافها بين الحين والآخر وبأعداد كبيرة غير مستحقة لرواتب الرعاية الاجتماعية مثلاً   ولاتنطبق عليها ضوابط المشمولين وحتى البطاقة التموينية فيها الكثير ممن لايستحقونها فيؤثر في حصة الفقراء حيث تم اكتشاف الكثير من الحالات وما زالت  فئات أخرى غير مستحقة 

الخلاصة أن التعداد  العام للسكان وحده الكفيل بحل مشكلة الأرقام الحقيقية ويخفف إلى حد كبير من نسب الفقر وتبقى هوامش الأخطاء المعيارية في الإحصاءات واردة وطبقاً لدقة المعلومات والإحصاءات.