باسم عبد الحميد حمودي
هذا هو العشاء الرَّبانيّ الأخير حقا، جلوس على الأرض في مكان منزو وطعام فلسطينيّ شعبيّ فقير.. مجدرة وفتوش وخبز قليل.
تلك هي مائدة السيد المسيح الأخيرة مع الحواريين قبل أن يقتاده الرومان المحتلين وسط مجاميع اليهود المتهللة.. للصلب على الخشبة.
هذه هي المائدة كما يراها الرّسام فيصل لعيبي صاحي، فلم يكن لاتباع المسيح ليلة الوداع إلا الجلوس منزوين ينتظرون الإرهاب اليهودي – الروماني ضد الدين الجديد وأعمدته.
ليس مهما أن تكون مريم المجدلية جالسة قرب المسيح، كما صورها الايطالي جيراندللو قبل خمسة عشر عاماً من لوحة دافنشي، وليس مهما أن يكون صفيه يوحنا المعمدان جالسا إلى جواره، لكن المهم أن هذه المجموعة القائدة للتجربة الايمانية الجديدة للبشرية- المسيحية كانت تنتظر الخلاص من حصار اليهود والرومان لتنتشر العقيدة الجديدة.
هاهي التجربة تتكرر اليوم والفلسطينيون.. مسيحيون مسلمون يذبحون على أيدي اليهود الصهاينة بدعم بايدن وطراداته وأسلحته.. بدل الرومان هناك الدعم الامريكي.. وأحفاد الفلسطينيين القدامى يقاتلون مضطرين للحصول على الأمن الإنساني الذي لم يتحقق.
رؤية فيصل لعيبي تنفي وجود مائدة أرستقراطية للحواريين مع النبي عيسى، كما رسمها دافنشي عام 1498، وأجلس الاسباط في أحلى الحلل مع نبي السلام.. لم يكن كل هذا إلا في مخيلة دافنشي، أذ لم تكن مجموعة المسيح القيادية الأولى في حال من الثراء والترف لتكون الصحاف فضيّة أو ذهبيّة! وتكون الثياب فاخرة كالتي قدمها لنا دافنشي وسبقه قبل خمسة عشر عاما الرسام الايطالي جيراندللو.
كانوا ينتظرون صلب القبض على سيدهم عند الفجر، وقد دل يهوذا الاسخريوطي عليه فجرا، وأنكر بطرس سيده عند صياح الديك وعند قدوم اليهود بهراواتهم وخناجرهم وسيوفهم لدعم الرومان للقبض على السيد المهاب ورفعه على الصليب وسط بكاء المريميات وحزنهن.
الحال يتكرر، ولكن رافعي السلاح القتلة هم الصهاينة اليوم يدعمهم العم سام ورهطه.
العشاء الرَّبانيّ يتكرر اليوم بأشكال دموية أكثر فضاعة، وما رسمه فيصل لعيبي ليس صرخة احتجاج، بل تجربة اكاديمية فكريّة تاريخيّة جديدة.. تقدم الرؤيا التشكيليَّة الحقيقية لمائدة السيد المسيح الأخيرة.
لن ينكر أحد سيد الخلاص والأمل ودين المحبة، سوى من جدف بهذا الدين الكريم، وتمرد عليه وسار مع الباطل وعقد موائد الإجرام في غزة الشهيدة اليوم.
اليس الأسطول الامريكي يحاصر البحر الفلسطينيّ المتوسط؟
ألا ينحرون الصبية في الشوارع؟
مالي ابقوه لأيقونة العشاء الرباني التاريخيّ، وهم يصنعون يوميا عدة موائد دمويّة في شوارع غزة وبيت لحم والقدس من دون خوف من كل الشعوب؟
العشاء الرباني القديم تجربة تاريخيَّة للوقوف ضد الظلم، واليوم تقام الآف الموائد علانية بصحون إسرائيليَّة ولحوم فلسطينيّة.. أين العالم من كل هذا؟