عاصمة الخزف.. سحر الشرق بأحلام الفن الغربيّ

ثقافة 2023/12/21
...

 زهو جيناي
 ترجمة: كريمة عبد النبي

تعد جينغزدين في شرق الصين من المدن التي لها أهمية ثقافيّة وتاريخيّة كبيرة، حيث تسمى بـ "عاصمة الخزف"، كما وتوصف بأنّها رائدة الحرف اليدوية التقليدية منذ عصر سلالة سونغ (960 - 1269) حتى وقتنا الحاضر.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت هذه المدينة محط أنظار الفنانين من جميع دول العالم نظرا لمكانتها الفنية والتاريخيَّة، حيث أقام فيها عدد من الفنانين الأجانب وتأقلموا مع الثقافة الصينيَّة، بل وأحبوا مدينة جينغزدين، فعمل معظمهم على إنتاج أعمال فنية متميزة من الخزف، الأمر الذي أسهم في تنشيط تجارة الأعمال الخزفية، وكذلك تطوير الحركة الإبداعية لثقافة هذا الفن. ومن خلال معارض الربيع والخريف، ظهرت أعمال خزفية، منها "إبريق شاي" الذي جذب انتباه كاتب المقال بسبب النقوش التي تميز بها هذا العمل، والتي ظهرت على شكل أوراق سميكة وثمار حمراء مع وجود غصن في أعلى الإبريق.
ويقول صاحب العمل وهو الفنان الإسباني ريبالتا إن "هذه هي شجرة الكرز في حديقتي (الأستوديو)". وقد قدم هذا الفنان الاسباني شرحا مفصلا للفكرة التي تقف وراء هذا العمل كما يضيف أن "شجرة الكرز هذه لها أغصان وأوراق وفيرة وهي ترمز إلى الطبيعة. أما طائر السنونو في هذا العمل فهو يمثلني أنا كاسباني يعيش في الصين".
ومن خلال حديثه مع كاتب المقال، قال ريبالتا "قبل مجيئي إلى الصين كنت أعمل في مجال الأعمال الخزفيّة منذ وقت طويل، وكانت معظم أعمالي الفنيّة تشير إلى الثقافات التقليدية. ولحاجتي لفهم أصل الأعمال الخزفيّة وتاريخ تطورها فإنه من الطبيعي أن آتي إلى هذه المدينة الصينيَّة كونها عاصمة الخزف"".
في عام 2022 قرر هذا الفنان الاسباني الإقامة في هذه المدينة الصينيَّة سعيا وراء حلمه بهذه المدينة التي تمتلك تاريخاً عريقاً في صناعة الخزف يمتد لأكثر من 2000 عام. ومن خلال إقامته هذه التقى بعدد من الفنانين الأجانب أمثاله من الذين يسعون إلى الإبداع في مجال الأعمال الخزفية.
ويقول الفنان الإسباني، إن "المعرفة الثقافيّة والتاريخيَّة الغنية، هي أساس التطور الإبداعي في فن الخزف، وأن هذه المدينة الصينيَّة، من خلال تاريخها وحداثتها، تقدم الكثير من الإلهام لفناني الأعمال الخزفيّة".
وأوضح ريبالتا أن "العديد من أفكاره وإبداعه ينحدر من الثقافة الاسبانية التقليدية، ولكنه أدرك أن بعض العناصر الفنيّة في هذا المجال نشأت في جينغزدين الصينيَّة"، وأعرب عن أمله في الدمج بين الثقافتين الصينيَّة والاسبانية في أعماله الخزفيّة.
وكما هو الحال مع الأعمال الخزفيّة العربيَّة التي أنتقلت إلى أوروبا من خلال طريق الحرير، يأمل ريبالتا في إتباع خطى من سبقوه بطريقته الخاصة وبذل ما بوسعه من أجل بناء جسر من أجل تبادل العلم والمعلومات بين الحضارات.
وتقول فنانة الخزف الفرنسية كامي "أنا معتادة على التنقل بين الدول بكثرة، ولم أتوقع أن ينتهي بي المطاف إلى الاستقرار في هذه المدينة الصينيَّة بعد أن تنقلت بين سويسرا وهولندا وبريطانيا لدراسة فن الخزف، وفي النهاية قررت الإقامة في الصين حيث مضى على إقامتي هنا ما يقارب الثمان سنوات". وقد بدأت كامي العمل بمفردها والآن تمتلك ورشتي عمل في الصين وتتحدث اللغة الصينيَّة بطلاقة. وبعد هذه السنوات تولد لدى كامي شعور بالانتماء إلى هذه المدينة الصينيَّة.
بدأت هواية كامي لهذا الفن، وهي طالبة بعمر الحادية عشرة، حيث برزت موهبتها في درس الحرفة اليدويّة، وكانت تستخدم مادة الطين في صناعة أشكال مختلفة من الحيوانات. وتقول "كانت مادة الطين وسيلة قوية للتعبير عن نفسي والعالم من حولي، من خلال الأعمال الطينية التي كنت أصنعها، وبعد المحاولات والأخطاء المتكررة في البداية، قررت اختيار العمل في مجال فن الخزف". ومن خلال أول رحلة قامت بها إلى جينغزدين شاهدت كامي التقنيات والمواد الأصلية المستخدمة في أعمال الخزف. وفي حديثها مع كاتب المقال تقول إن "جينغزدين تمتلك سحرا لا يقاوم، حيث تحافظ هذه المدينة على المعارف الحرفية التاريخية". وبعد أن أنهت دراستها الجامعية في كلية الفنون الملكية أقامت في هذه المدينة الصينيَّة لمعرفة ودراسة مهارات فن الخزف الصيني. ومن الفنانين الأجانب الذين أحبوا هذه المدينة الصينيَّة وأقاموا فيها الفنان الأمريكي دنيس نايمارك. في عام 2013 أقام نايمارك في قرية سانباو من ضواحي مدينة جينغزدين لدراسة صناعة الفخار، لكنه أصبح مولعا بالبيوت الصينيَّة القديمة وورش صناعة الخزف في هذه القرية. وبعد سنتين تم قبول نايمارك في جامعة جينغزدين للخزف.
 وأشار نايمارك إلى أنّ هذه المدينة الصينيَّة تحتوي على مواد خام مختلفة تدخل في صناعة الخزف، كما أن فيها أساتذة متخصصين في هذا المجال ساعدوا على تنمية وتحقيق أفكارنا وإبداعنا في هذا الفن.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن أكثر من خمسة آلاف شخص أجنبي قرروا الإقامة في هذه المدينة الصينيَّة منهم عدد من الفنانين في مجال الخزف، وعدد من ذوي الخبرة في هذا المجال الأمر الذي جعل من هذه المدينة مركزا لتبادل الثقافات.
ولدى مدينة جينغزدين اتفاقيات شراكة مع أكثر من ثلاثين جامعة في الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، اليابان، كوريا الجنوبية ودول أخرى في المنطقة. ومن خلال إقامتهم في هذه المدينة، شارك كل من ريبالتا، كامي و نايمارك في العديد من المعارض التي أقيمت في مختلف المدن الصينيَّة.

عن صحيفة غلوبال تايمز الصينيَّة