ضحى الخطيب.. عوالم ملّونة بعيدة عن قسوة العالم

ثقافة 2023/12/25
...

رولا حسن

ضحى الخطيب فنانة تشكيليَّة سورية، اقترن اسمها بشكل أساسي برسوم الأطفال، لا سيما على صفحات مجلة "أسامة" العريقة منذ سبعينيات القرن الماضي.
في زمن القتل والإرهاب والموت المجاني اختارت ضحى أن تكون ملاصقة لعوالم الأطفال البريئة، وتقترب أكثر مما يلامسهم بعيدا عن أصوات الرصاص والقذائف، فهي تتقن الدهشة التي افتقدها العالم تحت وقع فظائع ترتكب كل يوم، رسمت بمختلف الألوان عالما تريده مليئاً بالحب والحنان والألفة، لا كما هو على أرض الواقع.. ففتحت بوابة الحلم على مصراعيها.
لم تدرس ضحى في كلية الفنون الجميلة، لكنها خريجة معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية بدمشق اختصاص تصوير عام 2006، وقد اهتمت إضافة إلى رسوم الأطفال بالكاريكاتير، بالعديد من المشاركات في المسابقات وورشات العمل، فضلاً عن عملها لفترة لا بأس بها في تدريس الأطفال مادة الرسم.
لضحى علاقة خاصة جدا بدمشق، فهي المدينة التي عاشت فيها لحظات حياتها بمختلف مراحلها.. هذه اللحظات عملت بجد على تشكيل شخصيتها وتركيبتها العاطفية، كما تؤكد في كل حواراتها، حين تقول "دمشق حياتي وذكرياتي.. دمشق ذاكرتي الكرنفالية".
وتتابع: فمن بيتنا في باب توما مركز الكون وبيت جدي في المهاجرين وليس انتهاء بقوارب الورق التي كان أبي يصنعها لي لتمشي في مسارب الماء في البساتين. وليس انتهاء بمراقبة كل إنسان مبدع في حياته.. الخباز والحمصاني والفنان الذي يصنع الزجاج، أو القيشانيّ وكأنه يضع فيه شيئا من روحه ،كل الأمكنة في دمشق تنبض بالحياة وكذلك تنبض في قلبي.
كل هذه التفاصيل تراكمت في روح الفنانة لتخلق ذاكرة مليئة بالجمال والفرح والحب والألوان.. شيء أشبه ببصمة تؤكد دمشقيتها التي تصر عليها أكثر من أي شيء آخر. وكأن دمشق هي حبها الأول والأخير.
ترسم ضحى للأطفال وترتبط بعوالمهم بشكل وثيق، فهي تملك عن جدارة المفاتيح التي تستطيع بها أن تفتح هذه العوالم، وتشكل عوالم موازيّة لأطفال يهربون إليها من قسوة عالم لا يرحم، فالحياة برأي ضحى أكثر حرية على اللوحة، فهي تؤلف شخصياتها، وتبني عوالمهم "الكرنفالية" كما لو أنها تعمل على سينوغرافيا لمسرحيّة حقيقيّة على حد تعبيرها. فتمنح هذه المساحة ألوانها من روحها ببذخ لا حدود له، الأمر الذي ينعكس على روحها بعد انتهاء العمل فيمنحها هو الآخر بهجة تغمرها حتى الغرق. هكذا تتحول ضحى إلى أحدى شخصياتها، وتقول بصدد ذلك "أصير عند انتهاء عمل ما أحدى شخصياته وألون بخيالي يوميات الحزن العادي الذي نعيشه في الحقيقة ".
في بداية تجربتها الفنيّة اهتمت ضحى باللوحة الزيتية، فهي شغفها الأساسي على حد تعبيرها، والفضاء الذي يشعرها بالحرية، ونتيجة لظروف الحرب القاسية، اتجهت إلى رسوم كتب الأطفال، وبدأت العمل على  مشروع "لوحة موجهة إلى الطفل "بعيدا عن الديجيتال والرسوم الجاهزة التي لا تشبه عالمنا من رسوم المانغا ورسوم الكرتون الأجنبية ". أرادت ضحى أن ترسم للطفل أشياء تشبهه، وتشبه مفردات حياته ليقتنع أن الجمال موجود في العالم وهو الأساس، وليس القبح الذي يطفو خارجا.
تفضل ضحى الألوان الصريحة، والتقنيات والخامات المختلطة، فهي ترى كل لون كيف يفرض نفسه ويختار مساحته الخاصة وانطباعه على العين، ولكنها في ذات الوقت تعمل على اختيار ما ينمي ذائقة الطفل البصريّة ويطور حسه الفنيّ، ويزرع فيه قبول الاختلاف والتنوع من خلال تقديم أعمال عالية الجودة ومتنوعة تقنيا وفنيا.
تقدم ضحى في لوحاتها فن "الكولاج" فهو بالنسبة إليها الأقرب إلى قلبها وروحها، يلفتها ويشدها تقنية التعامل مع الورق والخامات المختلفة، فهي بالنسبة إليها تحفز الذهن، وكأنها أمام تمرين ذهنيّ تخلقه المصادفة حينا، واختلاف التقنية والتكنيك المستعمل حينا آخر، لتولد لوحة تختزن بتفاصيلها وألوانها المشاعة وتثير انتباه الطفل وفضوله وابتسامته.
ترى ضحى أن الأطفال هم أمل الغد، وهم الجيل الذي سيعيد بناء سوريا الملونة التي نحلم ونحب وحتى الوصول إلى ذلك "علينا البدء بتلوين أرواحنا، من خلال تطوير الذائقة البصريّة، ومراكمة الفرح لدى الأطفال والكبار أيضا، لذا أنا أرسم للجميع للصغار الكبار، وللكبار الصغار".                
لقد حافظت كفنانة وإنسانة على الطفل داخلها، لذا كان لديها القدرة دوما على التجديد، وحررت نفسها من قيود الواقع والنمطيّة القاتلة، فبقيت مخيلتها طازجة ممتلئة باللعب والأفكار الفرحة والمجنونة والطفولية والعفوية. بقيت تحلم كما تصرح دائما بتأسيس معهد يكون مشروعا غير ربحي يعلم الأطفال الرسم بطرق حديثة وبناء مدينة ملوّنة من الجمال للأطفال.