ميلان.. بَـيّاع الوهم

الرياضة 2023/12/25
...

علي رياح

ليس المقصود هنا الروسونيري، النادي الكبير الذي خَطّ سطوراً للمجد في التاريخ والإنجاز قلَّ نظيرها، إنما أعني ميلان زيفادينوفيتش المدرب الصربي (اليوغسلافي) الذي حطّ الرحال في بغداد وكان مسكوناً بحب إطلاق الوعود.. قال لدى تقديمه مدرباً لمنتخبنا إنه سيأتي بما لم يستطعه الأوائل. وبعد أن رسم ملامح شديدة الكآبة للواقع، وعد بعصر كله نجاح وألقاب ابتداءً من كأس آسيا في لبنان 2000.
وحين أنهى مهمته مع المنتخب بعد معسكر تدريبي في تونس مانحاً نفسه إجازة لما ادّعاه (زيارة الأهل) في بلغراد، ترك الجميع في حيرة، فالذي قدمه لم يتعدّ شعارات يلقيها كثير من المدربين وهي ليست في الخاتمة سوى واجهة تمهد للفشل الكامل.
لم تزد المدة التي عمل فيها ميلان عن ستة أشهر، شكلت نقطة انعطاف حبلى بمعسول الكلام وتناقض الفعل، ولم يكن قرار إقالته مع اقتراب تصفيات كاس العالم 2002 إلا حلقة في مسلسل امتدّ لسنوات أخرى. كان مقرراً أن يتواصل العقد مع ميلان على مدى ثلاث سنوات، بدأها بمؤتمر صحفي في فندق الرشيد أجاب فيه عن سؤالي عمّا سيقدمه للمنتخب، بالقول إنه سيتجاهل كل ما فعله المدربون الذين سبقوه وسيجعل للكرة العراقية مكانة مرموقة عربياً وآسيوياً، وأن النهائيات الآسيوية ستكون البداية نحو (العالمية).
كان ميلان في تصريحه يغمز من قناة المدرب المحلي عدنان حمد الذي أقيل من المهمة ثم رفض العمل مساعداً لميلان لأن قناعاته (مختلفة).. وأخذ ميلان المنتخب إلى بلاده يوغسلافيا في معسكر طويل ورتيب وممل ومع أول استحقاق كان الإخفاق في نهائيات آسيا في لبنان، فبعد ثلاث مباريات رفع خلالها شعار (الدفاع لأجل الدفاع) خسر المنتخب أمام إيران وتعادل مع لبنان وفاز على تايلاند وغادر البطولة مكللاً بخسارة رباعية ثقيلة أمام اليابان، وكانت مفاجأة المفاجآت أن المدرب اعتبر الحصيلة تقدماً ملحوظاً للكرة العراقية، فجوبهت تصريحاته بالرفض، وبدأ الجميع يتململ ويشعر أنه شرب المقل.
مَدّ اتحاد الكرة حبل الصبر ورضيَ أن يستمر ميلان في المهمة، وتذرّع المدرب بأسباب شتى للحصول على ثلاث إجازات أخرى لزيارة بلده، ثم عاد من الأخيرة ليغيّر شكل المنتخب، وذهب إلى لبنان وتعادل ودياً من دون أهداف بعد مستوى هزيل للمنتخب، واستكمالاً للتحضير قبل تصفيات المونديال توجّه المنتخب إلى تونس في معسكر تعادل خلاله مع الأولمبي التونسي، وبدلاً من أن يقفل ميلان عائداً مع الوفد سافر إلى يوغسلافيا
كان لا بدّ من قرار عاجل ينهي العلاقة بالمدرب الذي وعد بنجاح منقطع النظير وكانت بضاعته الوهم يبيعه بالمجّان.
امتدت ذيول العلاقة مع ميلان حتى نيسان من عام 2005 حين تدخل الفيفا لحل النزاع الطويل، فلقد قبض ميلان (250) ألف دولار في السنة الأولى من عقده ولم يكمل سوى ستة أشهر، لهذا كان عليه أن يعيد مبلغ (125) ألف دولار إلى الاتحاد العراقي، أما أحوال المنتخب فلم تتغير كثيراً وقتها، فقد عاد عدنان حمد لترميم  وضع المنتخب ودخول تصفيات كاس العالم في نيسان من عام 2001، لكن الكرة العراقية كانت في انتظار إخفاق آخر في الجولة الثانية من التصفيات.. وتلك حكاية أخرى.