عبدالغفارالعطوي
الأفكار النظرية التي يطرحها مؤلفوكتاب (الحب عن بعد أنماط حياتية في عصر العولمة) (1) تقودنا لفهم ما هي النتائج الوخيمة التي تهدد بناء نظام مجتمعاتنا اليوم وإن كنا نعتقد أنها بمعزل عما يحدث من حواليها،لوأدركنا في إن مفهوم (العولمة) لم يكن جديداً، من نتاج حقبة الحداثة وما بعد الحداثة، سنجد فكرتها منتشرة بنحو ما في العالم القديم على أعقاب بروز النظم الإمبراطورية، خاصة في حركة انتقال (العولمة) في أطر الانتشار العالمي عبر الهجرات والحروب، ومن خلال وسائل مختلفة كالحكايات والقصص والفنون، فقد كان للعولمة (القديمة) وجود آثار بينة في تأسيس الحضارات الإنسانية القديمة عبر التاريخ،
فمثلما تغيرت الأنماط الحياتية في عصر العولمة الآن، بحل سلطة الأسرة أولاً التي نشأت تحت عوامل بناء نظام المجتمع المدني لاقت تلك الأسرة هدماً في ظروف قاسية من انهيارات حضارة بالية ومجيء سواها فتية، فتحول الأسرة التقليدية إلى أسرة معولمة، ليس قاطعاً الآن، فقد تم التلاعب بقدر تلك الأسرة مرات عديدة في التاريخ، لكن الدوافع في ذلك ظلت مختلفة، حيث بقيت محاور تلك الدوافع تدور حول الجنس والحب والمغامرة، ولعبت الأخيرة دوراً مهماً في وضع صور الحضارات قاطبة، سواء كانت الوثنية أم الدينية، الخيالية أم الواقعية على أنماط حياتية متغيرة جذرياً، ليضرب الحب والجنس أسافينهما في خيال الإنسان في مغامرات الحب الباحث عن الخليل النائي غير محمودة العواقب في الإلياذة والأوديسا والإنياذة وألف ليلة وليلة على سبيل الأمثلة، في قصة الجنس عبر التاريخ ري تاناهيل،والجنس في العالم القديم بول فريشساور، الاستشراق جنسياً ارفن جميل شك، والجنس والدين داج اوستين إندشوهي مصادر تؤكد على انحدار المجتمعات عبر التاريخ من جوهر الوجود في الكون، أي الجنس باعتباره قصة عالمية انتقل في انحاء العالم ( ومازال ينتقل) راي تاناهيل يبين أن العلاقات بين الجنسين في عالم ما قبل التاريخ كانت غامضة لدرجة لا يمكن للروابط القائمة لدى الإنسان إذا ما قورنت بالعلاقات الجنسية حصرها، والجنس لم يخضع للإنسان إلا وفق تعاليم ومحظورات ساهم تاريخ الأديان في كبح جماحه وتقنينه نوعاً ما، فتاريخ الجنس يمكنه أن يمثل تاريخ الأديان من ناحية هيمنته الواضحة في الشرائع، لا سيما أن قيام الحضارات في العصور القديمة والوسيطة على هيمنة الدين الذي فرض أنماطاً من التعامل العاطفي الجنسي بشقيه المغلق والمفتوح في بناء نظام الأسرة، والمجتمع، فالاستشراق جنسياً قد سبق الاستشراق الثقافي، والقصص والحكايات الممتلئة بفكرة الجنس والحب، هي التي نقلت البشرية من حقبة الحضارات الجنسية نحوالحضارات اللا جنسية، التي استبطنت الليبيدوالفرويدي بمفهوم اللوغوس العقلاني، أي تمت السيطرة على الدافع الجنسي وفق نظام العقلانية التي فرضها الدين بواسطة مراسيم الزواج التي قامت رمزياً في قمع الجنس بعامل الحب، ولما أقبل العالم على الحداثة في عام 1850كانت شراكتهما قد دخلت في حلقة مفهوم التنوير (حركة المثقفين البروستانتية) ما أراد كتاب(الحب عن بعد) أن يضع إصبعه عليه، في فاعل العولمة المعاصرة من هدم وتنكيل بالأسس والنظم الأسرية التقليدية بدفع حزمة قيم جديدة متطرفة صاخبة أساسها الحب السريع والجنس العاصف في تغير نمط الحياة العالمية، ما كان بتأثير القصص والحكايات المتناقلة بين الأمم فحسب إنما في الهوس الجنسي الصاخب الذي كان يحرك الأخيلة الجامحة، مؤلفوهذا الكتاب وضعوه تحت الطاولة بغية تحريك بعض العوائق التي مازالت تعمل بالضد، التي رسخت حركة العولمة باتجاه تحول العالم المعاصر نحوتضاريس لأسر معولمة، نحن بدورنا سنكتفي بدراسة محتويات الفصل الأول، لتبين أن العائق الأكبر في تحولات العالم التقليدي لعالم معولم، هوالتركة الثقيلة لموروث العالم المعولم القديم، وتتمثل بثقافة العلاقات التي ساهمت في تكوين نظام الأسر،العلاقات الثنائية الجنس والحب، التي تم تناقلها برعاية الدين أولاً بسبب المأثور الساري في ثقافة الزواج، إن تحقيق الزواج الممتزج بالحب، عبر تلاحمهما الرسمي المعتمد على الدين يعطي للإنسان ديمومة خلقية مهددة بالزوال الآن، ففهم تلك الثنائية وفق ما بينه الدين عبر التفسير هوالذي بذر فكرة سوء الفهم في تلك الثنائية، الانثربولوجية الأميركية هيلين فيشو في كتابها (لماذا نحب ؟ طبيعة الحب وكيميائه) تذهب إلى أن الطريق نحوالحب غامض ولا يمكن تفسيره، وهويضرب في أعماق السلسلة الحيوية للكائنات الحية، هي تعتقد أن ثمة جذباً مغناطيسياً بين الجنسين يحدث في حالات الحب، يضعه كتاب (الحب عن بعد) بالحب النائي، واعتبرته شهلا الحائري تمهيداً في صياغة قبول الزواج المؤقت (المتعة) النظام المنشق عن النسق الديني، وأعطى لتأويل المتغير حظوة عجيبة في تسويغ اللقاء الغامض للثنائية (الحب والجنس) لعل فهم الكتاب على أن تحول الأسرة التقليدية نحوأسرة معولمة من خلال نظرة الأدب، والكتابات التي مهدت لمفهوم الحب النائي، في عالمنا فقط، بل إن المسألة كانت في أن للدين (ثقافة الزواج) تدخل في رسم التحولات الأسرية، سواء كان الزواج المنغلق (الرسمي) أم الزواج السري (المخفي) وظل الجنس يخترق نظام الزواج بشفرات ولجت في ثغرات الشريعة، التي كانت نصوصاً غامضة، اجتهد الفقهاء في شرذمتها وتفصيلها وفق مقاسات المرسل والاستصلاح، لكي يتشكل الزواج وفق إرادة الحاجة العاطفية الجياشة، وتعدد أنماط الزواج نتيجة لتعقد الحياة الأسرية التي مالت لنوع من الوجبات السريعة هي التي أنتجت مفهوم الخليل النائي، وتكريس زواج الصيغة والتراسل عبر السكايب والغرف الإلكترونية المغلقة، والمحادثات (الدردشات) عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخلق هجرات بغية الزواج، وتفضيل ما يسمى بالجندر المهاجر عابر للحدود والقوميات والأديان، إضافة للزواج الأحادي الجنس، فتحول الأسرة التقليدي لأسرة معولمة قد طرح كل مقومات عالمنا القديم البطيء والمضي نحوعالم جديد سريع، يقدم وجبات حب وعواطف وجنس سريعة لخليل ناء بعيد تحكمه الهجرة والطواف في ذاته لذاته في عالم معولم لكنه بلا قيم.
1 - الحب عن بعد أنماط حياتية في عصر العولمة اولريش بك إليزابيث بك غرنزهايم ترجمة د حسام الدين بدر مراجعة عليه همام علي الدن منشورات الجمل