«توركاريه}.. الحاضر بنفسٍ كلاسيكي

ثقافة 2023/12/28
...

 علي العقباني 


مجموعة من خريجي التمثيل وهواة الفن والتمثيل والمسرح وبانتاج مشترك بين مديرية المسارح والموسيقى والاتحاد الوطني لطلبة سورية يتصدون لمسرحية كتبها الكاتب الفرنسي آلان رينيه لوساج في القرن السابع عشر "1709"، وقد أعدها للمسرح الخريجان من الجامعة العربية الدولية كنان شاهرلي ويحيى عبد الهادي .

بدا آلان رينيه لوساج ( 1668 -1747 ) بدراسة الفلسفة والحقوق في باريس، ثم أصبح محامياً، وقد شجعه الكاتب دانكور على كتابة المسرحيات، وبدأ لوساج حياته الأدبية عام 1695 بترجمة الرسائل الظريفة للكاتب اليوناني اريستنات، لكنها لم تحظ بأي نجاح آنذاك، بعدها ترجم بعض المسرحيات الاسبانية.

في عام 1707 اتجه لوساج نحو التأليف

المسرحي. 

تناولت مسرحية "توركاريه" مرحلة صعبة ودقيقة من تاريخ فرنسا، هي بحسب النص الأصلي نهاية حكم الملك لويس الرابع عشر، الذي خلفت حقبة حروبه ضد اسبانيا وانكلترا مشكلات معيشية واجتماعية واقتصادية اجتاحت البلاد، ومن اجل مواجهة كل ذلك والمصاعب المالية التي حدثت قامت حكومة الملك بزيادة الضرائب بشكل غير معقول وأصدرت أوراقاً نقدية جديدة ذات قيمة متدنية، لكن ذلك لم يزد الأزمة الاقتصادية سوى تعقيدا أكثر، وزادت ديون الدولة، وغرقت في عجز مالي كبير، وخربت البلاد والعباد، وأمعن الموظفون في سرقة أموال الدولة حتى أصبحوا مشبوهين بنظر الشعب ورمزاً من رموز الفساد والانحطاط.

المسرحية كما كتبها وارادها لوساج تعكس حقبة مهمة من تاريخ المجتمع الفرنسي وهي نهاية طبقة الأشراف التقليدية وصعود طبقة جديدة من المتمولين الوصوليين وانتشار الفساد الخلقي والمالي الذي طال معظم فئات الشعب، انها ببساطة شهادة ووثيقة موضوعية عبر عنها الكاتب بشكل ساخر ومثير.

"توركاريه" والذي تحمل المسرحية اسمه، جابي ضرائب ومرابي، تمكن من جمع ثروة كبيرة، وهو يهوى البارونة، وهي أرملة من الأشراف تستغل عاطفته اتجاهها لتبذر أمواله وتسرقه، والبارونة بدورها تحب الفارس هو شاب وسيم يتقن الكلام المنمق ويعرف بدوره كيف يحصل على الأموال التي تقتنصها البارونة من توركاريه.

تفتتح المسرحية على شاب في مقدمة الخشبة وهو "فرونتين" خادم الفارس وهو يتم التحقيق معه ليخبر القضاة من أين حصل على الأموال، وهنا نحن أمام خشبة مسرح كلاسيكية بغرفة صالون البارونة والأريكة والتواليت والأبواب، وتأتي مارين وصيفة البارونة تعاتب سيدتها على تعلقها بالفارس الذي يخدعها ويُنفق أمواله بالمقامرة، وهنا يصل فرونتين خادم الفارس الذي يصف سيده وكأنه على حافة الانتحار لأنه خسر مبلغاً كبيراً من المال، فيرق قلب البارونة وتبعث إليه بخاتم ثمين أهداه توركاريه لها، ويصل "فلامان" خادمه وهو يحمل رسالة غرامية من سيده تثير السخرية، وبعد قليل يصل توركاريه، وبعد كل الذي يحدث من مغامرات وخداع والاعيب ومفاجآت نصل إلى أن الرابحين الوحيدان كانا ليزات وفرونتين. لقد جمعا مبلغاً كبيراً من المال، في حين انهارت مملكة الآخرين، وهذا اعلان ببداية مملكة جديدة وصعود لأوجه جديدة الى سطح

المجتمع.  لم تلتزم مسرحية الشباب هنا بما أراده لوساج من حيث المضمون والاشارة والتلميح فالوضع مطابق إلى ما يحدث الآن، واكتفوا بالجانب الساخر والتهكمي من المسرحية معتمدين على المبالغة في الشكل والأزياء والتمثيل الذي اجتهد فيه الممثلون لعباً وارتجالاً ومبالغة ولغة، ترافق مع صخب الحضور على الخشبة خصوصاً في القسم الثاني من العرض، تجربة طلابية مجتهدة ومغامرة لنص كلاسيكي قوي ومتنوع وغني ومحرض لنوع خاص من الأداء.