علي حنون
ليس من المنطق المهني، عندما تضع ثقلين في كفتين لتقف على الأرجح بينهما، تتجاهل - عن عمد - الالتفات إلى جملة من المعايير، التي تُعضّد وتُثقل كفة كل منهما، لأنك في حال فعلت ذلك، فإنك ستكون إزاء رؤية مُشوشة وبعيدة، في كل تفاصيلها، عن الإنصاف، لسبب وجيه هو أنك لم تأخذ بحلقات مهمة جدا ومهنية لا يُمكن القفز عليها، لإنجاح عملية المُقارنة..تأسيسا على ما تقدم، وإذا ما نشدنا إجراء تقييم منطقي وعادل لتحديد الكفة الأرجح، في موضوعة غاية في الأهمية، من قبيل المُفاضلة بين إمكانات المُدرب المحلي والآخر الأجنبي، فإن المهنية تفرض علينا أن نُحدد مسارات المقارنة وأن تكون مقوماتها عادلة ومنصفة لطالما ذهبت مُؤشرات المُفاضلة، سواء من قبل المَعنيين أو المُتابعين، باتجاه اختيار الثاني (أي المدرب الأجنبي) على اعتبار أنه يَتسلح - دوما - بمستجدات علم التدريب، فضلاً عن تَوفر فرص الاحتكاك بالمدارس المختلفة.
بلا ريب أن هذا الرأي يَتمتع بمديات رحبة من المُؤازرة، طالما أن المُدرب الأجنبي لا يَحتَكمُ في رؤيته إلى معايير عاطفية ولا يَجعل المُؤثرات المُحيطة تَفرض عليه أسلوب أو رأي الركون إلى اختيارات هي في واقعها بعيدة عن قناعاته، لكن ومع ذلك، فإن (تهميش) دور المُدرب الوطني جَعلنا نَفقدُ أجيالاً من المواهب التدريبية، التي بَقيت بَعيدة عن الاستعانة بها، ولأسباب تَكون في بعض الأحيان منطقية تتعلق بعدم قدرتهم على التعاطي مع الأمر بمهنية عالية في ظل الأجواء العامة السائدة، وفي أحايين أُخرى غير واقعية تُوضع- جوراً - على رف ضعف قدراتهم الفنية، وهذه موضوعة تحتاج إلى وقفة جادة، لأن مُصادرة فرص المُدربين الوطنيين تقتل في نفوسهم روح الإصرار والتحدي، وتجعل بعضهم ينأى بنفسه عن الخوض في غمار هكذا تجارب، طالما أدرك أن التسميات في هذه الموضوعة لا تَخضع إلى معايير مهنية.
نَعي أن الأمر في أوله وآخره يَعتمدُ على جدية اتحاد كرة القدم في هذا الجانب، وبرأينا أن عزل المُدرب الوطني عن مُحيطه وعدم زجه في مُعايشات مع أندية عالمية، وكذلك الابتعاد عن فسح الفرصة أمام المَوهوبين منهم، ولاسيما الذينَ يُعانون عسر الوضع المالي، للاشتراك في دورات تدريبية تطويرية خارجية، جعلت علومهم في هذا الضرب تتوقف عند محطات يقيناً أن الآخرين تجاوزوها، ومع ما جئنا عليه فإن المسؤولية تُحتم على المتصدين لقيادة منظومة كرة القدم الوطنية الالتفات إلى الكيفية التي يُمكن من خلالها إبراز قدرات الوجوه الفنية الوطنية عبر السير في سبيل رؤية واضحة في هذا الشأن.
كُل ذلك يُسوّق لنا حقيقة لا مناص من الاعتقاد بها، مَفادها أن نَعمل على خلق وتطوير القاعدة التدريبية الوطنية من خلال دعم الوجوه التي تُثبت تحليها بإمكانات قابلة للتطور عبر إعانتها في فتح نوافذ الاستزادة من العلم التدريبي، بزجها في دورات رفيعة فنياً، تُمكنها من توجيه قدراتها بالاتجاه الصحيح لتكون في ما بعد بصمة واضحة وعلامة فارقة مُؤهلة للتصدي لمهام تدريبية مع المُنتخبات الوطنية، لنُصيب في ذلك غايتين، الأولى خلق قاعدة تدريبية وطنية تُسهم في بناء تشكيلات مُنتخباتنا، والثانية منح مُدربينا فرصا حقيقية للوقوف على مُستجدات علم تدريب كرة القدم، إلى جانب الأخذ بيدهم لارتداء ثوب الثقة بأفكارهم وأساليبهم
وقدراتهم.