الفنان الكاميروني ساليفو ليندو: أبدأ من العدم

ثقافة 2024/01/10
...

 سعيد كمالي ديكهان
 ترجمة: مي اسماعيل

قبيل معرضه الشخصي في لندن، الذي يضم مجموعة متنوعة من الأعمال الأساسية؛ تحدث الفنان الكاميروني "ساليفو ليندو- Salifou Lindou" المُسمّى "سيد المواد" عن استخدامه للطين كمادة للصباغة في أوائل أيام عمله، وكيف يستمد إلهامه مما يشاهده من الجمهور، وبحثه الدائم عن المفاجأة.
في قلب معرضه توجد سلسلة صور عن سياسيين يرتدون بذلات قماشها مُخطط؛ وهو موضوع متكرر بالنسبة له، نابع من ذكريات طفولته؛ كما يقول: "أتذكر أنّني كلّما كنتُ أرى سياسيين على شاشة التلفزيون كانت ملابسهم دائماً على النمط الغربي، وغالباً بذلات قماشها مُخطط.
كان ذلك أسلوبهم لتمييز أنفسهم بين الجمهور العام. لقد استخدمت ذلك كأسلوب لجعل السياسيين معروفين في عملي؛ وعلامة على كونهم أثرياء.. يدرك الناس في الكاميرون ذلك من النظرة الأولى؛ فكلما زاد عدد الخطوط، أصبحت البدلة أنعم.. ما من ثقة لسياسيينا".
ولد ساليفو ليندو في الكاميرون عام 1965؛ وهي دولة تُسمّى "أفريقيا المُصغّرة"؛ بسبب مناظرها الطبيعيَّة الخلّابة والثقافة المتنوعة.
جاء ليندو من أسرة مسلمة كبيرة، وهو واحد من عشرة أطفال من مدينة "فومبان" التي تضم تلالا عديدة، وأبوه موظف حكومي. بدأ بالرسم وهو في الثالثة عشرة؛ مستخدما القلم الرصاص والألوان المائيَّة لإنجاز لوحات شخصية للأسرة والاصدقاء. وفي الثامنة عشرة انتقل إلى مدينة دوالا (أكبر مدن الكاميرون)؛ حيث عمل في مكتب للطباعة، ولكنه لم يتمكن من تحمل تكاليف الألوان المستخدمة للرسم؛ والتي تستورد عادةً من أوروبا. لذا استخدم الطين الموجود في مسقط رأسه "فومبان" (وهو ذو لون أكثر احمراراً كما يقول) لخلطه مع مواد رابطة قبل وضعه على قماش اللوحات. ويصف ليندو الأمر قائلا: "حينما تكون محتاجاً لشيءٍ ما؛ تصبح أكثر إبداعاً.
شارك ليندو عام 1989 بتأسيس مجموعة "سيركيل كابيسكي- Cercle Kapsiki" الفنيّة؛ مع مجموعة من التشكيليين ذوي التفكير المماثل. غيّرت المجموعة المشهد الفني في دوالا بتنظيمها المعارض والمناسبات وعروض الأفلام. وكان له معرض رئيسي عام 1995 في أحد أوائل المرافق الثقافيّة بمدينة دوالا.
عُرضت أعمال ليندو في متاحف الكاميرون وفرنسا والدنمارك، وأسهم بجناح بلده في بينالي فينيسيا المهم العام الماضي.
يقول عن عمله: "الإنسان أهم وأكبر مصادر إلهامي، وحينما لا أعمل أقضي وقتاً طويلاً بملاحظة الناس.. أنا مفتونٌ بضعف وقوة الإنسان؛ وهذه الازدواجيَّة ألهمت عملي أكثر من أي شيءٍ آخر.. عندما يشاهد الناس أعمالي أريدهم أن يدركوا النرجسيَّة الموجودة فيها وأريدهم أن يعترفوا بذلك". في لوحة "المقاتل" صوّر ليندو نفسه على أنّه ملاكم؛ مضيفاً: "أردت أن أظهر هشاشة نفسي؛ ولذا يرتدي المقاتل قفازاً في يد واحدة فقط وليس في اليد الأخرى.. الهشاشة موجودة دائماً في الإنسان؛ حتى لو كان مقاتلاً قوياً ذا عضلات ضخمة". كان لوفاة زوجته عام 2015 تأثيرٌ على عمله؛ وكانت بعض أعماله استذكاراً لها مع فنانين  آخرين.
ترى "روث بيلينغا" الأستاذة بمعهد الفنون الجميلة في فومبان، أن أعمال ليندو تقع في مكان ما بين.. "حل المشكلات بواسطة الفنون البصريَّة وبين النقد الاجتماعي؛ واضعاً الإنسان في مركز اهتماماته.. ساليفو مراقب حاد للمجتمع الذي يعيش فيه، وهو واحد من مجموعة صغيرة من الفنانين المتمرّسين الذين قادوا المشهد الفني في الكاميرون خلال الحركة المعاصرة.
ويُعدُّ من قبل نظرائه حتى هذا اليوم مُعلِّماً في مجال اختيار المواد.." كما تقول. جرى ربط أعمال ليندو بنتاج الأطفال الفني؛ من حيث العفوية والتلقائية؛ ولأنه.. "كالأطفال لا يحسب المسار مسبقاً..". ويتفق ليندو مع هذا التقييم، قائلا: "أنا لا أحسب الأشياء قبل البدء بالعمل الفني؛ بل أبدأ من العدم وأترك الأشياء تحدُث وتفاجئني.. أريد أن أشعر بالمفاجأة حول كيفيَّة تطور العمل على فضاء اللوحة.. أبحثُ دائماً عن المفاجأة..".
يقدم المنظور الفني لليندو صمود الأفراد الساعين للكرامة وسط الشدائد. وتعرض إبداعاته عائلات مزقتها ظروف الهجرة، وتلتقط المشاعر الصريحة التي ترسم ملامح الصراعات اليوميَّة. ويُمثّل ببراعة لحظات التقارُب والتجمُّع عن طريق رسم الجيران المنهمكين في محادثات حيويَّة، كما يوسم الأمل وكما أنه يجلب الأمل والمرونة في لوحات أطفال منغمسين في ألعابهم البريئة.
كان ليندو معروفاً في بداية عمله الفني بتركيباته ومنحوتاته ومجموعاته متنوعة المواد على القماش؛ لكنه انتقل مؤخراً للعمل بألوان الباستيل على الورق. تميز الخطوط النشطة والعفوية إبداعاته بالباستيل؛ وبها يصور تناقضاً حيوياً بين القوة والضعف، والحركة والسكون، والسلام والفوضى. ومن خلال أعماله الفنيَّة المثيرة؛ يخوض المشاهد رحلة تحويليَّة، ويستكشف الطبقات المعقدة للروح الإنسانيَّة. لا يعكس عمل ليندو إبداعه فحسب، بل يدل أيضاً على الالتزام بتنمية بيئة فنيّة نابضة بالحياة في الكاميرون. لكونه شخصية محترمة بين فناني الكاميرون؛ يُعدّ ليندو الآن رائداً ينقل معرفته إلى الجيل الجديد من خلال مبادرته الفنيّة "Kapsiki Circle" التي تروّج للفنون في بلده. ومن خلال تلك المنصّة، نظم ليندو معارض ومشاريع وإقامات للفنانين؛ عززت التعبير الفني والتبادل الثقافي. وبات له تأثير دائم على المشهد الفني المحلي من خلال تفانيه في رعاية المواهب الفتيَّة في مجتمعه.

صحيفة الغارديان البريطانية