دعد ديب
«الباب المفتوح» المسرحية التراجيدية التي ألفها «ألفريد سوترو» وعرضتها فرقة المسرح القومي بحمص على مسرح دار الثقافة تحت عنوان «باب الارواح» من تمثيل «سمهر بدور» و«اليسار كوسا» أعاد المخرج أكرم شاهين فيها إلى الأذهان القضايا الإنسانية ومكابدات مشاعر العشاق بعد انحسار ضجيج القضايا الكبرى، ليعود فيها إلى قضايا الانسان الحميمية وخصوصية علاقاته العاطفية وأحاسيسه وقيم الحب والصداقة والتضحية.
تحكي المسرحية عن قصة حب بلا أمل؛ مشاعر عميقة ونبيلة تقف أمامها قضايا التضحية والوفاء والاخلاص، عبر حوار يتم بين رجل وامرأة في إحدى الأماسي تتناجى أرواحهما لنعلم من حديثهما الدائر عن وجود أحاسيس مضمرة بينهما تظهر رغم أنهما يبذلان جهداً كبيراً في إخفائها هرباً من تبكيت الضمير وهول الواقعة بزعم أن أرواحهما هي التي تتحدث وهي المساحة التي سمحت لهما بإظهار مشاعرهم وتبيان التناقض المضطرب في سلوكهم.
يطلب السير جيفري من الليدي تورمنستر أن تبقى ليتحدثا قليلاً وعلى أن تبقي الباب مفتوحًا مراعاة «السيدة غروندي» وهي اصطلاح عن ممثلة التقاليد والنهج المحافظ، وهو العاشق الذي هجر المكان لعجزه عن إيقاف سيل أحاسيسه تجاه الحبيبة ولعله في الغياب ينسى، ولأن صداقته ومحبته لزوجها «جاك» تمنعه من فعل الخيانة والمضي بمشاعره للنهاية، والسيدة تورمنستر كذلك، ومن خلال حوارهما نستنتج شخصية الزوج بأنّه إنسان مسالم وطيب وحصل أن أنقذ حياة صديقه جيفري وخلصه من فم النمر فهو مدين بحياته له وبالمقابل فإن صديقه قام بحك أنفه المتجمد من البرد كي لا يبقى بلا أنف، إذ أنّه في المناطق الشديدة البرودة تتجمد الاعضاء الظاهرة كالأذن والأنف وتسقط.
تشعر الزوجة بملل وضجر كبير من حياتها الرتيبة الفارغة من الحب رغم أنها تفصح بأنه أي زوجها أفضل رفيق في العالم ومع ذلك يشعرها بالملل. قلبٌ من ذهب، زوجٌ مثالي، أب كامل ولكنه ممل ممل ممل.) وفق تعبيرها.الزوج جاك أطلق النار على نمر في جبال الانديز كاد أن يلتهم صديقه وأنقذ حياته وبالمقابل الصديق قام بحك أنفه المتجمد بفعل الصقيع وأنقذه من فقدان أنفه، قد نعتقد هنا أنهما متعادلان في الفعل الجميل ورده، إذا ماذا يبقى هنا؟. نعم يبقى الضمير والشهامة وأخلاق الفرسان، هنا الدراما والصراع وهي معضلة حقًا، ذلك التناقض بين الواجب والعاطفة؛ بين الوفاء والعشق.
قد تكون الأسئلة العميقة التي يختزنها الحوار الدائر أقرب لمجتمعاتنا الشرقية، في أهمية صداقة الرجال بين بعضهم وإحساس الغدر الذي يقض المضاجع وبالمقابل ثمة اسئلة عن ماهية الزواج كمؤسسة تشعر المرأة بالحماية والاستقرار فيها لعجز المجتمع بقوانينه وتشريعاته عن حمايتها، ونافذه من بصيص الأمل يتيحها النص للمرأة وهي أن من حقها أن تمتلك ذكرى لحظة من الحب والعاطفة لعلاقة غير مأمولة.
قد يكون المخرج حاول الحفاظ على مناخ العمل الاصلي رغم تلاعبه بعنوان المسرحية ولكنه حافظ على أسماء الأبطال الأجنبية كما وردت بالنص الاصلي، وربما كنا نحبذ استبدالها بأسماء محلية ليكون النص قريبًا من واقع حياة الناس الذي يعرض لهم ويؤكد على خصوصيّة واقعهم وأنهم معنيون بالحالة وتخصهم هم لا سواهم ولتحاكي المناخ المحلي وخاصة أنه اختار نصا عالميا يرمز موضوعه لقضية إنسانيّة تتطابق مع مفاهيم أخلاقيّة تصلح لكل مجتمع في أي زمان ومكان، مع كامل قناعتنا بأن المشاعر انسانيّة بحتة ذات حضور شامل لا تتعلق بجغرافيا أو تاريخ ولا أسوار تحدد ماهيتها ولا قيود تكبل انطلاقتها.. رغم أنها وجع جميل ينبض في الضلوع. قد يكون إعادة مفهوم أهمية الاخلاق في عصرنا ضرورة لابد منها وتعتبر إحدى أهم مقولات العمل التي نجح المخرج في تصدير عمله بها نظراً لهيمنة الجشع التفاهة وعالم الأرقام والمصالح الماديّة التي باتت أهم من القيم والصداقة والحب لدرجة قد نجد أنّه من النادر أن يجمع أي شيء بين أحد من الناس سوى المصلحة المادية اليابسة وتداس كل العلاقات والأحاسيس الإنسانيّة تحت وطأة سيطرتها.