عادل الصويري
هل توجد اليوم أسماء شعرية؟ سؤالٌ باغتني به أحد زملائي الموظفين المهتمين بالشعر العربي، بعد حديث قصير حول المقارنة بين المتنبي وأبي تمام. قلتُ له: في الحقيقة توجد أسماء توهَّمت الشعر، ولم تُدرك جوهره الحقيقي. هي أسماء صنعتها مؤسسات ربحية تنشد سرعة النتائج بالمال الكثير، والجهد المعرفي القليل.
وكان من النتائج السريعة لهذه المؤسسات تكرار الأسماء التي صُنِعَت في محافِلِها المكررة أصلاً شكلاً ومضموناً، والتي تجتهد في إخفاء الملل المتسربِ من هذا التكرار.
وليس المصنوعون في هذه المؤسسات اليوم يحتكرون صفة «الاسم الشعري» بل ظهرت أسماء جديدة صُنِعت في مؤسسات منافسة ومُقابِلة، وقعت بذات الخطأ الذي وقعت فيه مثيلاتُها، بحيث صار من السهل للراصد أن يعرف هذا «الاسم» صنيعة من!
والتنافس المؤسساتي في الشعر جميل ومنتج، بشرط أن يكون بعيداً عن الإيديولوجيا التي تقف خلف إنشاء المؤسسات، وبالتالي تصدير خطابها الذي لا يمثل كل الخطاب الإنساني، ومثل هذا الشرط يبدو مستحيل التحقق، خصوصاً مع مستجدات الصراع العالمي المستحدث.
قلت لصاحبي: من هو أمير الشعراء؟ أجاب: هو أحمد شوقي، فعاودت سؤالي: من هو شاعر الرسول؟ قال: حسان بن ثابت، فسألته ومن هو شاعر الحسين؟ قال: الكميت الأسدي. عندها قلت له هل تعرف أمراء الشعر: كريم معتوق، وسيدي ولد بمبا، وحسن بعيتي، وعبد العزيز الزراعي، وعلاء جانب، وحيدر العبد الله، وإياد الحكمي، وسلطان السبهان، وسلطان الضيط، وعائشة السيفي؟
قال لي: كل هؤلاء أمراء؟ قلت له نعم، ففي كل موسم تقام مسابقة شعرية لاختيار أمير بين المتسابقين. سألني: هل هم مؤثرون؟ قلت المؤثرون فيهم قليلون لكن المشكلة ليست في التأثير، المشكلة هي أين هم الآن؟ وما الذي تغير في الشعر العربي بعد إمارتهم الاعلامية هذه؟ بل يمكن للسائل أن يعود بالزمن إلى الوراء؛ ليسألَ ذات السؤال: ما الذي تغير في الشعر العربي فنِّياً بعد أن صار شوقي أميراً للشعراء، والجواهري شاعراً للعرب الأكبر؟ وكيف تُمنح الألقاب، وما هي سلطة مانحي الألقاب؟
ونفس السؤال ينطبق على شعراء الرسول والحسين، في المسابقات والبرامج الشعرية التي تُقام لهذا الغرض، حتى مع حالة التعقيد التي تُرافق تقييم القصائد التي تتناول الرموز الدينية، فضلاً عن آلية التحكيم التي تعاني من اضطرابات كبيرة، خصوصاً في المسابقات التي يفوز فيها شاعرٌ ما، ليجد نفسه عضواً في لجنة تحكيمها للموسم الآخر، وكأنَّ فوزه في المسابقة جعل وحي الرؤية النقدية يهبط عليه فجأة.
كذلك يمكن الاستفهام عن جدوى صناعة الاسم الشعري المؤسساتي بشكل سريع؛ لينطفئَ بعد سنة أو سنتين، باستبداله باسْمٍ آخر وهكذا، حتى تتأكد مجدداً فكرة المؤامرة التي لا يبدو أنها مقتصرة على الشأن السياسي، والصراع العالمي الذي يدور حوله، بل شملت الفعاليات الأدبية التي تأخذ على عاتقها مهمة التسويق الناعم لقصدية المؤسسة. وفي الشعر يبدو حضور المؤامرة أكثر صراحةً، من الهمس الذي يدور حولها في مسابقات السرد الكبرى، أو حتى في جائزة نوبل للآداب.
ولم تعد صناعة الأسماء الشعرية مقتصرة على المؤسسات أو البرامج، بل دخلت دور النشر هذا السباق الربحي المحموم، فيكفي أن يتبنى صاحب دار نشر نصف موهبة؛ ليصنع منها أيقونة في أكثر من جنس كتابي إبداعي، فضلاً عن صناعة الفرد لاسمه الشعري بشكل ذاتي، بعيداً عن المؤسسات ودور النشر، وذلك بعد التحول الشعبوي الكبير للذائقة المرتهنة لهجوم وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يمكن لشاب ثلاثيني أن يظهر في نافذة تواصلية، وهو يقرأ كلمات ساذجة؛ ليكون حديث المتابعين المنشغلين عن هرائه بالبنت نصف العارية التي تظهر إلى جانبه وهو يقرأ رائعته البائسة، مثيرةً المتابعين بحركاتها المتغنِّجة ذات المدلول الحِسّي. أما إذا تعلق الموضوع بصناعة اسم لشاعرة، فالأمر في غاية السهولة، وربما تكون اسماً لامعاً من خلال أخبار حملِها وولادتِها، وربما تحصل على لقب أفضل شاعرة أيضاً.