مكتبات بعقوبة القديمة في مواجهة {الانقراض}

ريبورتاج 2024/01/15
...

 احمد نجم 

لا تزال أقدم ثلاث مكتبات في بعقوبة تحافظ على وجودها واسمها وأماكنها السابقة، لكنها فقدت جوهرها المتمثل بالكتاب، بينما يقود الشغف والوفاء للمهنة أصحابها للاستمرار في مقاومة المصير المتوقع لتلك المكتبات.

الثقافة الجديدة، الوطن العربي ومكتبة الحيالي تلك هي أقدم ثلاث مكتبات حية في بعقوبة، رغم أن لكل منها قصة وسياقا مختلفا، لكن يجمعها اليوم مصير واحد يهدد وجودها التاريخي.

التحول للقرطاسيَّة

المكتبة الأقدم تأسست عام 1950 ومنذ ذلك الحين تحمل الاسم نفسه "الثقافة الجديدة"، ويحرص علي فاضل الزبيدي نجل مؤسس المكتبة على استمراريتها، رغم خلوها الكامل اليوم من الكتب والمجلات والصحف، ويعزو ذلك الى "العزوف عن القراءة وتوقف سوق الكتب، وقرب المسافة بين بعقوبة وبغداد، مما يتاح للقراء شراء كتبهم المفضلة من مكتبات شارع المتنبي".

رفض الزبيدي إغلاق مكتبة والده بعد وفاته، وقرر التحول لبيع القرطاسية مع الاحتفاظ بالاسم نفسه الذي يمتد عمره لأكثر من 70 عاما.


الكتبي الأقدم

لأكثر من ستين عاما يقضي عبد الرزاق العبيدي نصف يومه تقريبا في الأمتار المربعة القليلة لمكتبته، التي أسسها عام 1961، ولم يتغير موقعها منذ ذلك التاريخ، العبيدي رغم تقدمه بالسن، لكنه لا يزال يواظب على الحضور اليومي للمكتبة، التي تغير اسمها أكثر من مرة، حتى استقرت تحت اسم "مكتبة الوطن العربي".

ويصف أقدم كتبي بعقوبة علاقته بمكتبته بالقول "صارت جزءًا من دمي ولحمي لأنني أسستها منذ الطفولة".

يرصد العبيدي من خلال المكتبة باعتبارها بوابته للحياة تحولات المجتمع العراقي واهتماماته، وعلاقته بالكتب التي تزداد وتضعف تبعا لظروف البلد وأوضاعه الاقتصادية، اذ يرى بأن "اخر فترات ازدهار سوق الكتب كانت السنوات الأولى ما بعد 2003 قبل أن يغزو الانترنت الفضاء العام ويتسبب بتدهور المكتبات".

تحتل الكتب القليلة الموجودة المعروضة واجهة المكتبة، ولكنها تبدو مثل ضيوف الشرف، واقرب ما تكون كتعبير عن هوية المكان وعراقته، أما مخزن الكتب فيضم الآلاف، لكنها تعايشت مع الأتربة والغبار وتكدست هنالك منذ سنوات.

حين استدعي العبيدي للخدمة العسكرية في سبعينيات القرن الماضي، تولت ابنته إدارة المكتبة، بدلا منه لعدة أشهر لتكون بذلك أقدم كتبيات بعقوبة.

مكتبة بلا وريث

يستخدم عبد الله الحيالي مكتبته التي أسسها عام 1972 لأغراض التسلية، بدلا من الجلوس في المقاهي، ويجد نفسه مضطرا للاستمرار في العمل بها "لأن بعد هذا العمر مالي واهس بغير شغلة".

تحافظ المكتبة أيضا على موقعها منذ 52 عاما، وقد افتتحها الحيَّالي على أنقاض دكان قديم لوالده الحاج ابراهيم الحيالي عام 1941، والمكتبة اليوم لا تزال تحافظ على الطراز القديم، حيث عشرات الكتب مغلفة بأكياس النايلون لحمايتها من الأتربة، خاصة أن مدة بقائها على الرفوف تستمر لسنوات احيانا.

يقول الحيالي، وهو يستند على عصا اضطر لحملها في العقد الثامن من حياته بأن البيع في المكتبة نادر، ويكاد ينحصر بالطلبة المطالبين بالبحوث العلمية، لكنه رغم ذلك مصر على الاستمرار، رغم أن أبناءه قد شقوا طريقهم بعيدا عن مهنته ولا يوجد من يورثها عنهُ.

وتضم المكتبة عددا من المقتنيات الفريدة، والتي يقول الحيالي إنها انقرضت من الاسواق مثل بعض أنواع الأحبار، التي يصل عمرها لأربعين عاما، وشريط ورقي لا صق من عقد السبعينيات، بالاضافة لمجموعات كبيرة من الطوابع البريدية للهواة من عقود مختلفة.


مستقبلٌ قاتم

يرى الاستاذ كريم الدهلكي، الذي ينتمي للجيل الثاني من كتبيي بعقوبة، وهو الموزع الوحيد للصحف والمجلات في ديالى، بأن انهيار النظام التعليمي في العراق منذ تسعينيات القرن الماضي، قد أثر بقوة على هجر القراءة وبالتالي تراجع دور المكتبات، مشيرا إلى أن طلب المصادر العالمية لإجراء بحوث طلبة الجامعات أو المدارس أخذ ينتهي أيضا، نتيجة البحوث الجاهزة التي يتساهل في قبولها الأساتذة.

يرسم الدهلكي، مستقبلا قاتما لتلك المكتبات فهو يرى انها اخذة للانقراض، اما تجارب انشاء مكتبات حديثة وشبابية فقد فشلت هي الاخرى أيضا، ولم تأخذ مديات واسعة كما يقول، خاصة ان محتوى تلك المكتبات لم يكن من الكتب التي تهتم باعادة بناء الانسان بل غالبيتها من الكتب السطحية والهامشية.