حازم رعد
وفقا للفهم الفلسفيّ المعاصر فأنه لا قيمة حقيقية للإنسان مالم ينشط في الفعل السياسيّ، فهو الميدان الذي يعبر فيه عن إرادته ويحقق فيه طموحاته، ويترجم فيه مواطنيته وينال من خلاله مستحقاته. فالإنسان بطبيعته كائن مدني ووجود سياسي سلطوي قبل كل شيء هو يحتاج إلى قوانين تنظم علاقته مع الاخرين والدولة، وتشريعات تحفظ له حقوقه وتضمن كرامته وهويته. وعليه ألا يكتفي بطرح الاسئلة والشكوك، بل تكون له مساهمات واضحة في هذا المجال العام. كأن يكون له حضور في الحراك الاحتجاجي أو فاعلية في نقاش قضايا الشأن العام أو العمل في المنظمات غير الحكومية “منظمات المجتمع المدني - المنظمات المعنية بحقوق الإنسان والحريات والبيئة ومؤسسات التكافل والتوازن الاجتماعي والمنتديات الفكريّة التي تناقش طبيعة النظام وطرق الحكم والديمقراطية ونتائج الانتخابات وعوائدها الايجابية على المجتمع بعامة، وتناقش مستوى الاداء الحكومي وجودة الخطاب السياسي المعمول فيه، أو بتلك المنتديات المعنية بنقد الخطاب السلطوي السائد”، وغير ذلك من النشاط الذي تتحدد به ذات الإنسان المعاصر ليثبت حضوره الأصيل من خلال النشاط السياسي بشقيه السلطوي وغيره .
إن لم يكن للإنسان هذا الحضور وتلك الفاعلية والنشاط السياسي ستنطلي عليه ألاعيب السلطة وتمرر عليه الكثير من مشاريع السيطرة وتفوته فرصة المشاركة بالتغيير كونه إرادة سياسية ومصدر لشرعية السلطة، فبلا تفاعله السياسي سيضل على الهامش، ذاته مغتربة وضائعة بين الذوات لا اصالة لها.
فواجب كل إنسان أن يتساءل عن موقفه من الفعل السياسي، ويتأمل قيمته كأرادة لها حقوق وعليها واجبات، وعندئذ سيقف على جواب ذلك بتلقائية لم يكن يعهدها ومن دون أي عناء مبذول، هنا يبدأ الذهن بالتفتق وتبدأ طبقات الوعي السياسي بالتشكل وتتفتح فاهمته على أشياء وتفاصيل أخرى داخل مضمار فعل السلطة.
بالتحديد من هذا السؤال، ومن هذا اللون والوعي والتفكير ترتجف كل سلطة، ويرتعب كل مستبد يحتكر الفهم وأدوات النفوذ، هكذا لون من التفكير يعني بالنسبة للسلطة بداية بزوغ شمس الوعي السياسي عند المواطن. مما يعني بدء حلقات مسلسل الاعتراض والانتقاد والمراجعة التصحيحية والاحتجاج ومطالبة المواطن بحقوقه، بل قد يصل الأمر إلى التمرد والثورة في بعض الأحيان.
إن علاقة المواطن الواعي سياسياً (كمشروع سياسي في فضاء عمومي) تجاه السلطة تتضافر كلما اشتبكت بينهما المواقف، حيث تتوزع الأخيرة بطريقة جدليّة بين المواقف، حسب ما تقتضيه الظروف، إذ قد يكون الوعي داعياً للرفض والعصيان، وقد يكون الوعي داعياً المواطن للصمت والتسليم وتفويت الفرصة، وقد يستدعيه قبول نشاط إداء السلطة لأنه مطابق لما نص عليه في المدونات القانونية، فالوعي نقطة عرفان المواطن لاستحقاقاته والشعور بكينونته السياسيّة، وكذلك هو عتبة اساسية في فهم التداعيات والمراحل والفاعلية
السلطوية. فحضور الإنسان كقيمة عليا امكانية انتاج حياة نشطة ومهمة في هذا الوجود تسترعيه أن يبدأ مسار الوعي السياسي، وهذا التفكير والوعي يستدعي كل المواطنين. بالمقابل ألا يكونوا طيبين لدرجة أن تسلب عنهم استحقاقاتهم من دون أن يحركوا ساكنا، وتغتصب عقولهم وحرية التفكير خاصتهم من دون شعور، أو من خلال التسليم المطلق والثقة المفرط فيها، تلك التي يسميها سينيكا براءة خطيرة التي يفترض تجاوزها وتوثب الوعي بديلاً عنها.