شريط {الأجسام}.. يرصد الإحساس بالعجز والإهانة المعنويَّة

ثقافة 2024/01/15
...

  عدنان حسين أحمد

 احتضنت الدورة السادسة لمهرجان الجونة السينمائي لسنة 2023 مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، التي تضمنت 21 فيلما من مختلف بلدان العالم، وكان من بينها فيلم {الأجسام أقرب مما تبدو عليه} للمخرج المصري أحمد صبحي، وعلى الرغم من أن الجوائز الأربع المخصصة لهذه المسابقة قد ذهبت لأفلام أخرى من بينها {يرقة} لميشيل ونويل كسرواني و{البحر الأحمر يبكي} لفارس الرجوب، إلا أن الأفلام الأخرى كانت تتوفر على سوية فنية واضحة لا يمكن تفاديها أو غض الطرف عنها،  ومن بينها  فيلم {الأجسام أقرب مما تبدو عليه} الذي ينطوي على ثيمات متعددة أبرزها الحب، وتعدد العلاقات العاطفية، والاتكاء على الآخرين، والشعور بالخزي والعار.

تدور أحداث الفيلم حول نعيم، الذي يخرج إلى موعد غرامي مع حبيبته ياسمين ببطاقة بنكية خالية من الرصيد، فيقرر الذهاب إلى منزل شقيقته سهر لاقتراض بعض النقود، لكنه يكتشف أن أخته قد تعرّضت للسرقة، بحسب إدّعائها، الأمر الذي يفضي بنعيم إلى الدخول في دوّامة عاطفية تجبره على مواجهة الإحساس بالذل والمهانة والانكسار. وعلى الرغم من التطورات الدرامية في سياق الحدث إلّا أنّ هناك مفاجأة أخرى يؤجلها كاتب السيناريو ومخرج الفيلم أحمد صبحي وسوف تتكشف قبل نهاية الفيلم بقليل. ثمة تركيز واضح على شخصية البطل نعيم، التي جسدها المخرج أحمد صبحي بنفسه، وأراد من خلالها أن يرصد فكرة العجز الذي تناوله في فيلمه الأول "حادث قديم جدًا" لكن القصور هذه المرة أفضى به إلى الشعور بالعار والشنار، فهو فتى في ريعان شبابه يحب ياسمين، ويخرج معها في مواعيد غرامية، لكنه مرتبط أيضًا بفتاة أخرى تُدعى سلمى التي نتعرّف عليها من خلال مكالمة هاتفيةيقول فيها:"إزايّك يا سلمى؟ أنا أنه بقى لنا كثير مش بنتكلّم بس من ساعة ما سبتيني وأنا بحاول أدوّر على نفسي، وحشتيني". فشخصية نعيم قلقة ومضطربة ولا تستطيع الاستقرار على علاقة عاطفية واحدة، وهو ينتقل بين ياسمين وسلمى كما أنه يعتمد على شقيقته سهر كلما ضاقت به الحيل.

تستغرب ياسمين من موقف نعيم الذي أوهمها بالخروج إلى هذا الموعد الغرامي، وهو لا يمتلك شروى نُقير ووضعها في دائرة الإحراج، فهي الأخرى لا تمتلك نقودًا تؤمّن لها العودة إلى منزلها وعليها أن تقطع طريق العودة مشيًا على الأقدام. يستأذنها بالصعود إلى الشقة والعودة خلال دقيقة واحدة، لكنه يكتشف أن شقيقته قد تعرضت للسرقة كما تدّعي، وأن زوجها محمود قد ذهب إلى مركز الشرطة، وحينما عاد طلب منها أن تخبره عن تفاصيل السرقة بالضبط، لكي يروي لضابط الشرطة ما حدث لكننا سنكتشف لاحقًا أنّ السرقة مزعومة ولم تقع على أرض الواقع أبدًا.

في خضم هذا الوضع المضطرب يطلب نعيم من شقيقته مبلغ 400 جنيه لأنه بحاجة ماسة إليها الآن وعليها أن تدبر هذا المبلغ مهما كلّف الأمر، آخذين بنظر الاعتبار أنّ زوجها زوجها محمود قد طلب منها أن تذهب إلى منزل أمها بحجة أنه غير قادر على التفاهم معها، ومعرفة مصير النقود التي أعطاها إيّاها منذ عشرين يومًا.

تحتدم النقاشات بين الأطراف الثلاثة، فالزوج محمود يتناول حبوب الجلطة، وزوجته سهر تنهار أمام الكلمات والنعوت القاسية لشقيقها، الذي يصفها بالغباء والنفاية البشرية عندها يُغمى عليها فتسقط أرضًا ولا تستفيق إلاّ بشق الأنفس.

يبدو أن البنت الصغيرة آلاء هي الوحيدة التي تعرف تفاصيل الحكاية من الألف إلى الياء، وقد أخبرت نعيم في نهاية المطاف بأنها أمها كانت مشتركة في جمعية وقد دفعت النقود المخصصة لتكاليف الدراسة إلى الجمعية، لكن ثمة رجلا نصب عليها فإدعت بأن النقود قد سُرقت منها. لما تزل ياسمين تنتظر أسفل العمارة، رغم مرور عشرات الدقائق وحينما يئست تمامًا هاتفته للمرة الثالثة، وهي في منتهى الغضب قائلة:" أنا بجد منبهرة ببجاحتك . . . أنا مش عايزة أعرفك تاني ولا أشوف وجهك أصلاً. لا تتصل بي ثانية ياولا . . عيّل زبالة". هنا يُصاب نعيم بالصدمة ويشعر بالذل والإهانة المعنوية فيتصاغر إلى حدّ الإحساس بالعدم. وعلى الرغم من كل ما كانت تعانيه سهر أحضرت لشقيقها بعض الأوراق النقدية ووضعتها بين أنامله قبل أن تتوجه لمنزل أمها وفقًا، لأوامر زوجها الذي يكافح جلطاته القلبية والمادية في آنٍ معًا.

جدير ذكره أنّ أحمد صبحي مخرج ومنتج وممثل أخرج عددًا من الإعلانات على الإنترنيت. أنجز أول أفلامه بعنوان "حادث قديم جدًا". وفيلم "الأجسام أقرب. ." الذي عرض في مهرجان الجونة السينمائي هذا العام.