{مايسترو}.. قصة حياة موسيقار شقي

ثقافة 2024/01/15
...

علي حمود الحسن
ترقب كثيرون وأنا منهم فيلم "مايسترو" (2024) للمخرج والممثل والمنتج متعدد المواهب برادلي كوبر (49عاما)، الذي أدى دور البطولة فيه أيضا، إذ عرض مؤخرا على منصة نتفليكس.. الفيلم الذي كتب السيناريو له كوبر بالتشارك مع الممثل والكاتب جوش سينجر، وصوره ماثيو ليبايتك ينتمي الى أفلام السيرة الذاتية، وتدور أحداثه حول الحياة المحتدمة والملتبسة أحيانا للموسيقار الأميركي اليهودي ليونارد بيرنشتاين (برادلي كوبر) وقصة حبه الملتهبة لزوجته الممثلة وعازفة البيانو فيليسيا مونتيليجري (كاري موليغان)، أثار الفيلم، الذي وظف مقتطفات من اعمال بيرنشتاين كموسيقى تصويرية، ضجة في صف النقاد والجمهور معا؛ بين متحمس للفيلم وناقد له، بل إن بعضهم اتّهم برادلي الذي خرج من معطف استوديو الممثل، بانه رمى بثقله في تجسيد شخصية المايسترو الشهير ورسم ملامحها على "حساب البناء السردي.  

اعتمد كوبر على السرد الدائري في قص حكايته، فالأحداث تبدأ بمقابلة تلفزيونية لبرنشتاين في خريف عمره، وهو يعزف بتماهٍ إحدى مقطوعاته، يتوقف فجأة وينهار باكيا، مستذكرا زوجته التي توفيت بالسرطان بقوله: " إنها الأفضل على البيانو"، بعدها ننتقل إلى الماضي  لنرى ليني (الاسم المحبب لبيرنشتاين) الشاب في غرفة نومه وقد شاركه السرير صديق له، يرن التلفون فيتلقى خبر تكليفه بقيادة اوركسترا نيويورك"، بدلا من قائدها برونو والتر، الذي تعرض إلى وعكة صحية، وبذا وضعنا المخرج امام لحظة فاصلة في تاريخه من جهة، وكشف لنا عن شذوذه من جهة أخرى، صور برادلي الربع الأول من الزمن الفيلمي بالأبيض والأسود، ليعمّق الحياة الحافلة لليني، ويتيح لنفسه استعراض مهارته الإخراجية  والتمثيلية، من خلال ابتكار لقطات وتكوينات وإضاءة وإلى حدما المكياج، اذ أراد برادلي أن يجسد هذه الشخصية الحيوية والعبقرية بتقمص كامل، حتى أن الماكيير قد اقترب تماما من ملامح بيرنشتاين، لاسيما أنفه الضخم والطويل.

الحدث الأهم في هذا الجزء هو زواجه من فيليسيا (كارلي ميغان)، التي تشاركه حب الموسيقى والتمثيل، ينجبان بنتين وولد وتمضي اياهما هانئة، إذ تكرّس حياتها لنجاحه المهني، فيقطفا ثمار النجاح، ليكون الموسيقار الأهم في أميركا، إلا أن انشطار ذاته وتهتكه، أحدث شرخا في حياتهما الزوجية.. تصاب فيليسيا بمرض السرطان وتموت، فيذوي الموسيقار العابث، ويكتشف أنها كانت كل شيء في حياته، لنعد إلى  المقابلة التلفزيونية ذاتها وحديثه الحزين عن زوجته، وبذا ينتقل السرد الى نقطة البداية وينغلق دائريا.

 بدا الانتقال من الأسود والأبيض الى الألوان سلسا، من خلال لقطة ساحرة  لفيلسيا، وهي تدخن سيجارا وتتأمل زوجها أثناء قيادته الأوركسترا، يهرع اليها ليحتضنها، ثم يعود ليحيى الجمهور، بينما تقترب الكاميرا من فيليسيا، لنجدها وقد غمرتها الألوان في  الوقفة ذاتها، وقد ارتدت ثوبا خضرا، فنشهد في هذا الجزء الطويل (ثلاثة أرباع الفيلم) أحداثا كثيرة بلا صراع ولا حتى ترابط حبكة، ولا أعرف كيف تجاهل المخرج الصراع الخفي، الذي يمزّق  بطله؛ بين انشطار ذاته، وأن يكون أبًا صالحا لثلاثة أبناء، فنشهد فتورا بين الزوجين، ما يؤدي الى انفصال متفق عليه للحفاظ على مشاعر الأبناء، قدمت موليغان أداءً مميزًا، وكانت مقنعة تماما في دور الزوجة، التي ضحّت من اجل زوجها والأولاد لتجدد نفسها في الظل، وهي الفنانة المبدعة والطموحة، وكانت تحولاتها مقنعة، على العكس من برادلي، الذي اظهر شخصية بيرلنشتاين مسطحة وشقية من دون التركيز على محموله الموسيقي والإبداعي.