جمال أمين: نحن جيلٌ مغبونٌ ومهمّشٌ ولم نستطع التميز إبداعيَّا

ثقافة 2024/01/22
...

  بغداد: سينما

سيرة مهنية حافلة زادت عن أربعين عاما، قدم فيها الفنان جمال امين الحسني عشرات الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة والطويلة، ممثلا ومخرجا ومنتجا، فضلا عن برامج ومسلسلات تلفزيونية وإعلانات، وعلى الرغم من اغترابه، إلا أنه ما زال يواصل ابداعه في صناعة الأفلام، أشهر افلامه: {بيوت في ذلك الزقاق}، والفيلمان التلفزيونان {البندول}، و{اللوحة}، و{تحت سماء واحدة}، و{الكعكة الصفراء}، و{وراء الباب}.. {الصباح} التقت الحسني، فكان هذا الحوار:
• حدثنا عن تجربتك المهنية، التي زادت عن الاربعين عاما، ممثلا ومخرجا ومنتجا، داخل العراق وخارجه في حقل السينما والتلفزيون؟
- للأسف تجربتي مأساوية، لأني كنت أعمل خارج حاضنتي، وهي كانت كفاحًا من أجل العيش الكريم واثبات الذات إبداعيا.. شخصيا عشت أربعة عقود مهاجرا هجرة قسرية، بسبب الحروب والدكتاتورية وما تبعها من احتلال وفوضى، فنحن جيل مغبون ومهمش، لم نستطع التميز إبداعيا، عدا بعض إضاءات هنا وهناك، وهذا الكلام لا يشملني فقط، انما يخص طيفا واسعا من المثقفين الذين يعيشون خارج العراق، نعم هنالك حرية ومجال واسع للإبداع، لكن ليس في السينما، فكما معلوم السينما منتج صناعي يحتاج إلى رأس مال كبير، فضلا عن وفرة شغيلة السينما هنالك، بخبرات تفوق خبراتنا، وهذا لا ينفي وجود تجارب ناجحة، لكنها غير مؤثرة.  
• صناع السينما العراقيين المغتربين قسرا أو طوعا، الكثير منهم انطفأ والبعض الاخر يعمل بظروف ليست سهلة.. ترى لمن يصنعون أفلامهم؟
 - ينتج السينمائي المغترب أفلامه لعرضها في المهرجانات، أو الاماسي الثقافية، حيث نعرض لجمهور عراقي، أو عربي مغترب مثقف، لكنه نخبوي ومعظمهم يأتون على عكازات (كبارالسن)، لذا لم يحصل صناع السينما العراقيين في المهجر على شهادات ثقة من مهرجانات معتبرة، على شاكلة:" برلين"، و" كان"، و" فينسيا"، او "الأوسكار"، وقد تبدو معلومة صادمة أن معظم أفلام العراقيين هي لسد نقص معين في مهرجان ما في بلد ما، لكننا نضخّم الأشياء بعناوين رنانة جوفاء، وهذا لا يعني شحًا بالمبدعين، انما المشكلة  بوسائل الإنتاج وثقة المنتجين،  نحن نعمل أفلامًا ذات أفكار تحابي المانحين سواء العرب أو الغرب، لذا نقع في فخ الأعمال البسيطة  غير المؤثرة.
• تابعنا بأعجاب تجربتك بإخراج أفلام قصيرة في المغترب،  تناولت هموم المهاجرين وقصصهم الحزينة.. هل أوصلت ما تريد؟
- أنا قمت بإخراج عشرة الأفلام في أوروبا، والكثير من الأفلام كنت فيها ممثلا، اذ مثلت في فيلم "صانع الأضواء" الذي كان من بطولتي ومن إخراج محمد توفيق.. وكل افلامي تتناول المهاجرين من الجيل الأول أو الثاني، وتمس موضوعاتها مشكلات وأوجاع ونجاحات نحو (5) ملايين عراقي في المهجر، ولا أبالغ إن قلت إني أعدُّ نفسي مدافعا عن عنهم، فثمة انكفاء للكثير منهم وعدم قدرتهم على الاندماج مع اختلاف الثقافات، ما ترتب على ذلك نشوء جيل مشوه يعاني من الماضي والحاضر، وموزع بين وطن ولد فيه وترعرع وبين بلد اللجوء، وهذا ما حاولت أن اوضحه في أفلامي التي كلفتني جهدا ووقتا ومالا، فضلا عن صعوبة تسويقها عراقيا عربيا عالميا.
• ما زال حلمك بإخراج فيلم روائي طويل، من خلال قصة حزينة لمثقف مهزوم، بعيد المنال.. ما الذي يجعل إنتاجه صعبا؟
   - أصارحكم القول إن صناع السينما العراقيين لم يوثقوا تاريخنا، بدءاً من العصر الملكي والجمهوري ومجازر 1963، ومرورا بالدكتاتورية وحروبها الصغيرة والكبيرة، وانتهاءً بداعش، الا بتجارب متباعدة، غير رصينة تعتمد الانفعال والمزايدات..
  شخصيا لدي سيناريو فيلم بعنوان "الواهم" قبلها أسميته "الشيوعي الاخير" يحكي قصة يساري عراقي، عاش حياة حافلة ومحتدمة متنقلا بين كردستان، ولبنان، وسوريا، وبلغاريا، وبريطانيا، وما يعانيه من تقلبات الاحزاب وانتكاساتها ..وأستطيع القول إنه وثيقة لأيام الجبهة في العراق، وخبايا الحرب الاهلية اللبنانية، من خلال خطوط سردية للأب الشيوعي، والابن الارهابي، والبنت المغتربة والثائرة على تقاليد الاسرة.. الفيلم تدور أحداثه في لندن ويحتاج الى تمويل وانتاج واسع، لا يمكن الحصول عليه من المهرجانات الخليجية والعربية، وانتظر ممولا عراقيا، كي تدور كاميرتي.
•  برأيك كيف يتخلص الممثل العراقي من نمط الأداء الذي ألقى المسرح بظلاله عليه؟
- الممثل العراقي من وجهة نظري مظلوم إنتاجيا، وهو أول من يتأثر بشحة الإنتاج، وبسرعة التنفيذ، وعدم اهتمام المخرج بأدائه.. الممثل العراقي خامة جيدة، والمشكلة إنتاجية بحتة، حيث سرعة تنفيذ المشاهد لكسب الوقت والمال من قبل المنتجين يجعل الأداء متشابها ونمطيا وبدون إحساس، كما أن هنالك بعض الممثلين ما زالوا متأثرين بالأداء المسرحي، وهم لم يتعودوا على الالتحاق بورش التمثيل السينمائي، لذا نرى أن بعضهم يمثل بطرق كلاسيكية تقليدية، فالتمثيل قرين الوعي، الذي يحتاج إلى جهد ذاتي كبير وعميق، للأسف إلى الآن ما زال المخرجون لا يعتنون بأداء الممثل، بل إن بعضهم يمنح الأدوار لأصحابه، وأحيانا لمن يشاركهم أجورهم.
 • كيف تقيّم تجربتك مع المخرج عدي المانع في فيلم " وراء الباب"؟
- عدي المانع شاب يدرك معنى الصورة وتأثيرها الفلسفي، وهو من جيل الشباب المهمشين، لأنه مخرج يمتلك فكرا حرا ورؤية مستقلة، لذا كانت تجربتي معه مهمة للسينما المستقلة في العراق، لا سيما أن الفيلم يتناول شخصية اشكالية، نكاد نراها في كل العصور، فهي مهزوزة لا منتمية منافقة، ممكن ترتدي أي قناع؛ سواء كان إسلاميا، شيوعيا، أو بعثيا، المهم أن تحصل على ما تريد، وقد أديت الدور بحرفية عالية، فكان فيلما مختلفا عن نمط الأفلام العراقية، ساعد على ذلك أجواء التناغم، التي أشاعها عدي المانع مخرجا، وعمار جمال مديرا لتصوير، وجمال الحسني ممثلا.
•   سؤال يتبادر إلى الذهن في نهاية كل عام وبداية آخر، متى تجد السينما العراقية بوصلتها؟.
- السينما في العراق ليس لديها بوصلة كي تجدها، فالمعلوم أن السينما تعمل بوسائل معروفة أولها الإنتاج، لكن المشكلة أن الإنتاج السينمائي في العراق يعتمد على المنح، أو الهبات، أو العطايا أو " الخمط"، بل إن بعض الافلام تحصل على تمويل بعض السفارات، فلا عجب أن تكون مواضيعها متنافرة، وأغلبها فنتازي، أو يخدم مناهج مهرجانات عربية، أو دولية  فمن البدهيات أن الأفلام تنتج  من صندوق دعم الفيلم، أو قرض من البنك الصناعي، أو تمويل من قبل الأكاديميات والمعاهد، أو منتجين، وكل  ما ذكرته لا يوجد في العراق، لا أخفي عليكم أننا  في مأزق كبير والأدعياء كثر، ولهذا أشك بأن  لدينا بوصلة أو ستكون لدينا بوصة.
•  تتحدث عن مشروع العمر وتبحث عن جهة منتجة.. حدثنا عن حلمك الأثير؟
-"أرض اليباب" مشروع فيلم أحلم بتنفيذه، وهو فيلم ملحمي يقتفي أثر حجم مآسي العراق سابقا وحاليا، أريد من خلاله لقول إن كل تاريخنا المعاصر، انما هو خدعة أنظمة غاشمة أكلت حاضرنا ومستقبلنا، ربما هي أمنية ان أحظى بمنتج ذكي وجريء كي نبدأ العمل فكل شيء جاهز، وهذه الفكرة أرجو أن تكون بمثابة حقوق ملكية
للفيلم.