كلينت ايستوود حالةٌ فريدةٌ في تاريخ السينما

ثقافة 2024/01/22
...

علي حمود الحسن

    حفزت إشاعة موت الممثل والمخرج المخضرم كلينت ايستوود، الافتراضية، التي صدقها كثيرون وأنا منهم وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، فكرة تقيم تجربة صاحب "خيال شاحب"، الذي عانى كثيرا من التجاهل النقدي والنظر إلى أفلامه بازدراء وتعالٍ، لا سيما بعد أن أطاحت به الناقدة الأميركية الشهيرة بولين كيل واتهمته بالفاشية، فبعد نجاحه في خلق شخصيات الغرب الأميركي الآتية من "اللامكان" وبلا " وجه" يقتل بسبب وبلا سبب دون أن يرف له جفن، حاول الخروج من قبعة البطل اللامنتمي، فأخرج ومثّل أفلاما تنبش في التاريخ الأميركي، محاولا خلق شخصيات أو إعادة تقيّم للشخصيات هي ذاتها صدى لفكرة المنتقم العادل، لكن هذه المرة من خلال شخصيات حكيمة قوية، تحنو على الأقليات، وتقف بمواجهة من لطخ تاريخ أميركا بالدم والعار ايضا، {غران تورينو}، و{جيه. إدجار}، ربما الأهم في تجربته الطويلة، هي مثابرته على إنجاز أفلامٍ يبث، فيها رسائل عن البطل العادل وإن كان أسودَ " انفكتوس"، وكنت قد نشرت تأبينا سرعان ما نفيته عن سيرة هذا الممثل والمخرج ورجل الكابوي العتيد (93) عاما، الذي أنجز آخر أعماله "المحلف 2" بهذا العمر، وهي سابقة، لكنها ليست غريبة على هذا المجالد العتيد، الذي بدأ رحلته مع السينما منذ العام 1952، حيث مثل أدوارا صغيرة، قبل أن يكون بطلا في مسلسل رعاة البقر الشهير "روهايد" (1958 - 1964) الذي تابعناه صغارا وشكّل مخيالنا عن مكابدات رعاة البقر وحياتهم الخشنة، فمازلت أذكر كيف أن الأطفال في قطاع 23 في مدينة الثورة، قد تحولوا إلى رعاة بقر من غير قبعات بمسدسات من فكوك العجول والخرفان، وحبال مجدولة من قطع القماش، وهم يسوقون قطعانا ماشية افتراضية، قريبا من ساحة القطاع، التي تتوسطها حفرة عملاقة قريبا من متوسطة المصطفى، ويردون أغنية "روهايد" الساحرة. إيستوود الذي اخرج أكثر من 45 فيلما ومثل في 73 أخرى.. شكل مع عبقري أفلام "السباغيتي" الايطالية سيرجيو ليوني ثنائيا ناجحا قدما الأفلام الأكثر شهرة في تاريخ أفلام الكابوي، وأكثرها دموية وعنفا ايضا، على شاكلة "من أجل حفنة دولارات"(1964)، و"الطيب، والشرير، والبشع " (1966)  
صاحب القد الممشوق الوسيم (190)  يتمتع بمواهب متنوعة، فهو موسيقي ومنتج ومخرج وممثل وكاتب سيناريو.. أخرج فيلما بعيدا عن الكابوي بعنوان "هاري القذر"(1971)،  ثم توالت أفلامه، التي اقتفت رؤية وحلم ايستوود الذي كان ينظر إلى النقاد بلا مبالاة منها: "هائم في السهول العالية"، و"رجل الحانة"، و"طائر"، وفتاة المليون"، و" رايات الآباء" حصل على عشرات الجوائز منها جائزتا أوسكار في الإخراج.. ظل يواصل إخراج أفلامٍ ذات بعد إنساني وإخلاقي، مناهضا الحرب والعنصرية، لم تمنعه الشيخوخة من مواصلة أفلامه حتى الرمق الأخير، فشكّل حالة فريدة في تاريخ السينما العالمية.