متقاعدون يشكون الفوضى في القوانين: أين العدل؟

ريبورتاج 2024/01/23
...

  علي غني  

  تصوير: خضير العتابي

لا اعرف لماذا الاستهانة بمطالب المتقاعدين؟، ولماذا يتعذب الانسان في آخر عمره إلى حد الاذلال؟، فليس من حقك أن تسأل الموظف في هيئة التقاعد عن كيفية حساب الراتب التقاعدي، وليس لك حق ان تسأل عن الخدمة المضافة، وربما الأشد قهرًا ان تمتد الفوضى لقوانين التقاعد، احتجاجات مستمرة من قبل نقابات وجمعيات المتقاعدين، تطالب بالعدل والإنصاف، فتعالوا معنا في (رحلة خلاقة)، للذين هم على مشارف الموت بانتظار الراتب الذي لا يعادل (دفنة واحدة في مقبرة النجف)!.

أصيب بجلطة

يقول (المحسوب على المتقاعدين) ستار جبار مطشر من مواليد (1959) الذي شارف عمره على الخامسة والستين، وهو لغاية الآن يركض بين دائرة التقاعد ودائرته من دون ان يتسلم تقاعده: أنا احد الموظفين (عقود) من كبار السن في وزارة الاتصالات استبشرت خيرا بتثبيتنا بقرار من رئيس الوزراء محمد السوداني،الذي نص كل من له خدمة مقدارها خمس سنوات يثبت بالوظيفة، ففرحنا، لكن هذه الفرحة لم تدم طويلا، بل تحولت إلى حزن بعد إحالتنا للتقاعد بسبب كبر سننا، ولغاية الآن، وبعد مضي سنة كاملة لم نتسلم (فلسا واحدا)، واقول لك -حقيقة- أصبحنا متسولين في الشوارع؟!، فأنا شخصيا أصبت بجلطة، وذبحة صدرية، ولدي تقارير وأدلة على إصابتي، انقذونا يرحمكم الله، فنحن في هذا العمر أقرب من الموت إلى الحياة؟.

ويتفق المتقاعدان سلمان عباس جودي وعبد الرحمن خيون جبار كمر عبد الله، تمام الاتفاق مع زميلهما المتقاعد ستار جبار، فهم حتى الان لم يتسلموا رواتبهم التقاعدية، من دون معرفة الاسباب الحقيقية، فمرة يقولون لهم إن الاسباب عدم وجود التخصيصات المالية في وزارة الاتصالات، أو يقولون لهم إن الأسباب في هيئة التقاعد، انتظار اكثر من سنة، وهموم لا تعد ولا تحصى، وأولها المرض وآخرها الجهل بالقوانين، وهكذا الحياة في خريف العمر، كما يقول المتقاعد (ابو محمد).


مواد معطلة

وبين بدقة الاستاذ مهدي العيسى رئيس الجمعية العراقية للمتقاعدين/ رئيس الجبهة الوطنية للدفاع عن حقوق المتقاعدين/ المثالب والفجوات التي تضمنها قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 الذي يقود سفينة المتقاعدين في العراق الذي قسم المتقاعدين فريقين، قدامى الذين أحيلوا إلى التقاعد قبل عام 2014 ومتقاعدين جدد اي الذين احيلوا إلى التقاعد بعد نفاذ القانون المذكور، وهذه مخالفة دستورية، بما يعرف بالتمييز الذي أشار إليه الدستور في المادة 14 (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز).

وتابع: المادة 13 من القانون والمادة 3 من تعديله الأول رقم 3 لسنة 2019 الذي منحت تاركي العمل ممن لديهم خدمة 15 سنة وعمر 45 سنة لم تجد طريقها للتنفيذ بسبب نص المادة 18 من التعديل الذي نص على الشمول اعتبارا من نفاذ التعديل، وبذلك ولدت هذه المادة ميتة للسبب المذكور، وبقي جميع من تركوا الوظيفة قبل التعديل بدون راتب. 

وكذلك المادة 26 حرمت الارامل والمطلقات المستفيدات من رواتب آبائهن بسبب الابن البالغ 18 سنة، مما أدى إلى بقائهن دون دخل شهري، فضلا عن حرمان المتقاعدين القدامى من مكافأة نهاية الخدمة. 

وبين (العيسى) عدم تحقيق العدالة والمساواة في احتساب الرواتب التقاعدية بالنسبة للمتقاعدين القدامى كما يجري العمل مع اقرانهم المحالين بعد عام 2014، وكذلك عدم تنفيذ المادة 36 الخاصة بالتضخم اعتبارا من عام 2014 ولغاية الآن، إلى جانب عدم احتساب السنوات المجتزأة للمتضررين من التعديل الأول رقم 26 لسنة 2019 بما يسمى بالتقاعد القسري.

وأوضح: رغم آثار التضخم نتيجة ارتفاع الدولار وانخفاض القوة الشرائية للدينار، لم تقم الدولة بزيادة الحد الأدنى للرواتب المتدنية لتخفيف اثاره بإستثناء الـ 100 ألف دينار التي لم تعوض اثاره نتيجة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، لذلك بقي اغلب المتقاعدين يعانون من آثار ذلك، رغم أن هذه الزيادة لم تعطَ الا بعد التظاهرات والاعتصامات التي إقامتها الجمعية العراقية للمتقاعدين، والتي بلغت 18 تظاهرة خلال عام واحد.

وكشف العيسى، عن أن الجمعية العراقية للمتقاعدين ستستمر بالتظاهر، مطالبة مجلس الوزراء بسرعة تقديم التعديل الثاني لقانون التقاعد رقم 9 لسنة 2014، وكذلك إضافة إلى تنفيذ المادة 36 الخاصة بالتضخم وبأثر رجعي، اعتبارا من عام 2014 إضافة إلى الإسراع في اقرار سلم الرواتب الجديد.


خروقٌ كثيرة

ووصف سيد جبار البدران رئيس رابطة المتقاعدين فسرا قانون التقاعد النافذ رقم 26 في 2019 بالقانون القاسي، فمن أجل التوضيح فإن قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014  خص الورثة المستفيدين من راتب معيلهم المتوفى، ولكن عندما شُرِّعَ التعديل الأول للقانون ذي الرقم 26 لسنة 2019 حرم المستفيدين من الورثة والمطلقات والأرامل وفيها تفاصيل، كما ان المادة 36 من أصل القانون التي نصت على (لرئيس مجلس الوزراء تعديل رواتب المتقاعدين أو زيادتها نسبةً لزيادة نسبة التضخم وارتفاع الأسعار، ومنذ العام المذكور ولا رئيس وزراء تطرق لذلك، فضلا عن أن المادة 14نصت على (مساواة رواتب المتقاعدين من قبل التعديل أعلاه مع أقرانهم) بعد نفاذ هذا التعديل في 2019 ولغاية الآن لم تنفذ هذه، كما ان المادة 13 نصت على (الذين أكملوا سن 54 سنة ولديهم خدمة 15 سنة يحق لهم التقاعد، وهذه ايضا لم تُنَفَذْ لحد الان، والطامّةُ الكبرى في هذا التعديل رقم 26 سيئ الصيت من لديه خدمة أقل من 15 سنة لا يستحق الحد الأدنى للراتب، أي خرجوا بدون راتب تقاعدي (بخفي حنين)، بينما وكما تعلمون مستفيدو رفحاء هم وأزواجهم وأطفالهم الذين يولدون يستحقون راتب مليون ونصف المليون، هذه القسمة الضيزى التي تكلم بها القرآن الكريم.


تضخمٌ تشريعي

وارجع استاذ القانون بجامعة الفرات الاوسط التقنية/ الدكتور اسامة شهاب حمد  الجعفري/ إلى الفوضى بقوانين التقاعد: انه بعد عام 2003 اصدرت سلطة الاحتلال الامر رقم 18 لسنة 2004 الخاصة بالحقوق التقاعدية، ثم بعد ذلك اصدر قانون التقاعد الموحد رقم 27 لسنة 2006 وأجري عليه تعديل رقم 69 لسنة 2007 ثم بعد ذلك اصدر القانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 ليحل محل جميع قوانين التقاعد تلك، وارتبطت بكل هذه القوانين تعليمات وعشرات القرارات صادرة عن وزارة المالية، ومن التقاعد تفسر و تنظم تلك القوانين التي لم تلغَ، وتحت ستار هذه القرارات والتعليمات أصابت موضوع التقاعد فوضى تشريعية ناتجة من التضخم التشريعي والتشعب القانوني، وتعدد اللوائح التنظيمية بشكل لا يؤدي الى حماية حقوق الانسان بالتقاعد، مما اصاب ملف التقاعد بالغموض، والمتقاعد لم يعد يشعر بالأمن القانوني بهذا الخصوص، ومن نتائج الفوضى التشريعية (والكلام للجعفري)، ايضاً ان هذه القوانين، بدلاً من تحقيق مبدأ المساواة لكل المتقاعدين اصبح لدينا متقاعدون غير متساويين فاحدثت فروقات في الرواتب، فالمتقاعدون قبل 2003 غير متساوين مع المتقاعدين بعد 2003، والمتقاعد بعد عام 2009 اكثر من فئات السابقة، مما ادى الى الاخلال بمبدأ العدالة الاجتماعيةـ لذلك (واقولها بصدق والكلام لاستاذ القانون بجامعة الفرات الأوسط التقنية): يجب أن تلغى جميع القرارات والتعليمات والاجتهادات التي صدرت بخصوص قانون التقاعد، وتنظيم مسألة التقاعد بالقانون الموحد فقط، ويجب ان يكون هذا القانون ثابت المبادئ، وراسخ القواعد ويملك من المرونة ليبقى سنوات طوالا دون الحاجة الى تعديله او الاضافة إليه، الا بالحدود القصوى لتجنب فوضى قوانين التقاعد المتعددة والمتغيرة دائماً، وتشتتها بالقرارات والتعليمات التي تضيع الغاية الاجتماعية من هذه القوانين.


إزالة الغبن

وأقرت النائبة الدكتورة سهيلة السلطاني/ كتلة صادقون/ بضرورة تعديل تشريع قانون التقاعد الموحد، لوجود العديد من المشكلات والخروق الموجودة في القانون الحالي، التي تحتاج إلى تعديل وازالة الغبن للمستفيدين الممثلين بعائلة المتوفى المتقاعد، الذي خدم الدولة طوال فترة عمله، وحيث ان راتب المستفيد (المتقاعد) بالكاد يسد رمق العيش الكريم، بالمقارنة مع متطلبات الحياة الكبيرة والمتزايدة (نتيجة تضخم في الأسواق، سواء أكانت المحلية أم العالمية)، مما تتطلب معالجة المشكلات الجوهرية بالتشريعات الخاصة بالمتقاعدين، لأنهم قدموا للدولة عصارة جهدهم، لذا على الدولة رعايتهم كونهم أبناء هذا البلد.

وتابعت النائبة (السلطاني): يجب ان نعالج مسألة الموظفين الذين لديهم خدمة (15) سنة وبلغوا سن التقاعد بسبب العمر القانوني، باعتبار أن سبب عدم حصولهم على سنوات خدمة تؤهلهم لنيل راتب تقاعدي يكفي لحاجاتهم الفعلية، هي تداعيات كثيرة منها مشاركاتهم في الحروب السابقة، وعلى المشرّع أن يضيف سنوات الخدمة الفعلية الالزامية في الجيش إلى خدمتهم الفعلية لضمان حصولهم على راتب تقاعدي يوفر لهم حياة كريمة.

واما الذين خدمتهم (أقل من 15 سنة) والكلام (للسيدة النائبة سهيلة السلطاني)، فعلى الحكومة ان تعالج قضيتهم من خلال ايجاد ربط حقيقي مع قانون الضمان الاجتماعي، واحتساب خدمتهم في الاعمال الحرة كخدمة إضافية، سواء كانت داخل او خارج العراق، فالبلد ملزم أخلاقيا واجتماعيا برعاية أبنائه وضمان الحياة الحرة الكريمة، كما ارى من المناسب ان ندعم شريحة المتقاعدين بتطوير القوانين الخاصة بهم، ومعالجة الثغرات ومتابعة اوضاعهم في كل سنة، لضمان تحقيق الحياة الكريمة لهم.