أحمد نجم
لا يزال حكمت السعدي وفيا فنيا لقريته التي نشأ فيها وتركت في أعماقه تأثيراً لم تمحه العقود الستة التي عاشها والتجارب العديدة التي خاضها، فظلت قرية "زاغنية" الصغيرة شمال بعقوبة تربطه بحبلها السري جسديا وفنيا.
وكان هذا هو الانطباع الأول المستلهم من عنوان المعرض الشخصي الثامن للسعدي "حكاية قرية"، الذي افتتح مؤخرا على قاعة نقابة الفنانين في بناية السراي وسط بعقوبة، وظف فيه الفنان ما تختزن به ذاكرته وتجاربه التي عاشها في القرية، مستعينا بمختلف التقنيات والأساليب ليعبر عن المشاهد المتراكمة في ذاكرته وحنينه الشخصي لأجواء القرية قبل أن تتأثر بالأحداث الإرهابية والتراجع الاقتصادي والجفاف.
يقول السعدي إن "القرية بما تتضمنه من جمال وبساطة وغنى في المشاهد والألوان هي من صنعت منه فنانا، وما كان وسطه العائلي المهتم بالرسم والفنون إلا دليلا ساعده في اقتحام أكاديمية الفنون الجميلة. وبرز منذ الثمانينات كأحد ابرز فناني ديالى التشكيليين".
اللوحات التي ضمها المعرض بلغت 48 لوحة تقودك من حيث لا تشعر لجولة في قرية بكل يومياتها وتفاصيلها وتقاليدها وأعرافها بدءا من دروب البساتين وضفاف النهر ويوميات المزارعين من نشر البذور والحصاد وحرث الأرض، فضلا عن التركيز على حياة النساء ومهامها، سواء كمزارعات، أو ربات بيوت، والنخلة والطير والحصان، كلها كانت مكونات أساسية في معظم أعماله، فالريف بالنسبة له مصدرعطاء حياتي وفني.
اللوحة عند السعدي مع كونها وحدة متكاملة، إلا أنها تمثل مجموعة من اللوحات الصغيرة المشبعة بالتفاصيل المدهشة، فالطريق مثلا، ليس ناعما كالزيت، بل هو- كما يبدو- في الواقع ليس مستقيما، ولا يخلو من حصى بمختلف الأحجام، أما الوجوه في بورترياته فهي لم تخضع للفلاتر والتجميل، بل أشد ما تكون من الواقعية، خاصة في ندباتها وآثار الزمن المتروكة
عليها.
لا يكتفي بالتنوع السعدي، في استخدام التقنيات الفنية والمدارس المتنوعة، خاصة في أعماله الأخرى خارج المعرض، بل يصل التنوع إلى تواقيعه على تلك اللوحات التي يستخدم فيها أشكالا مختلفة من الخطوط العربية، مستعينا بخبرته وإتقانه لقواعد الخط وقدرته على توظيفها جماليا، كما أن
بعض لوحاته تحمل تواقيعه باللغة الانكليزية.
للسعدي أعمال كثيرة في تجارب فنية أخرى من المدارس التجريدية والانطباعية والسريالية، لكنه ينظر للواقع كمصدر أساس لكل التجارب الأخرى، ففي قناعاته أن الفنان الذي لا يستلهم موضوعاته من الواقع ويتفاعل معه، لا يمكن أن يحقق شيئا قيما في التجارب الحديثة، معتبرا أن الفنان الذي يقتحم الحداثة من دون أن يكون له باع طويل في الواقعيات، سيضع نفسه في مأزق لا يعرف ماذا يفعل، وماذا يقول عن لوحته، وتغيب بذلك حلقة الوصل بينه وبين المتلقي.