اعتقدتُ أنك هاجرت إلى الأرجنتين

ثقافة 2024/01/24
...

نوزاد حسن

في أثناء دراستي الجامعيَّة خاطبني أحد الأساتذة لا أعرف أين استقر به المقام الآن؟ قائلاً: اعتقدت أنك هاجرت إلى الأرجنتين. حدث هذا في أول يوم دراسي بعد انتهاء العطلة. حينها كنت أفكر بأشياء كثيرة من بينها حلمي أن أعيش في الأرجنتين. أؤكد كان مجرد حلم ما زال يعيش في داخلي. لكنَّ السؤال الأهم هو كيف استطاع ذلك الأستاذ أن يعرف ما بداخلي, ويقرأه كأنه يقرأ في صفحة كُتبت أمامه.
ليس هذا هو ما أريد قوله. كل ما أحب الحديث عنه الآن يتعلق بفكرة بسيطة جداً لكنها فكرة مقلقة. تقول هذه الفكرة ما يلي: إذا تركت حلمك فستدفع الثمن غالياً. وهذا ما حدث معي.
لو أنني حققت حلمي قبل سنوات طويلة لتخلصت من ضغط القلق اليومي الذي أعيشه.
لنفترض أنني الآن في الأرجنتين, أنا أتساءل، تُرى كيف كنت سأكون. أعرف أنه سؤال افتراضي. لكنني أتخيل نفسي وقد عشت في بوينس آيرس سنوات بحيث اعتدت لكنة الأرجنتيني وهو يتحدث إسبانيته القاسية نوعاً ما. ولَعِشْتُ حياةً تتفجر بالضوء والهدوء ملاحقاً خطوات بورخس وساباتو مثل تلميذ لا يكبر. ومع ذلك أعرف أنني سأبقى وفياً جداً لقانون إنساني عام يقول: انتبه إنك زائل.
المهم أنَّ ترك الحلم خطيئة لا تقل خسارة عن خطيئة آدم. ذلك لأنَّ نسيان الحلم, وتأجيله سنوات طويلة يعني عقاب الذات عقاباً شخصياً.
تماماً كالطرد من الجنة يطرد القلب صاحبه منه. تحدث عملية انفصال داخلية بين القلب والإنسان الحامل لحلم مؤجل. سيكون كل شيء مزعجاً عند الإنسان الذي ترك حلمه وصمت. ولن يكون هناك أي صلح لإنهاء معركة الإنسان مع قلبه. أما العقل فسيكون مجرد قاض أعمى وأصم في هذه القضية. ولعلني لا أتجاوز الحقيقة لو قلت إنَّ نبرة وجودية ستطوق الحالم الذي تنازل عن حلمه, أعني أنَّ المشاعر أو العاطفة ستصنع أفكاراً لا ترحم.
إذن الأرجنتين حلمي المؤجّل.. لكنني ما زلت أريد أن أذهب إلى هناك لأتصالح مع قلبي. وقد ابتكرت حيلة ذكية تحاول أن تفهم كل ما هو أرجنتيني على أنه نسيج من قطعة واحدة. فبورخس بكل تمرده, ولا واقعيته هو مارادونا لكن بشكل آخر. وقد كتبت عن هذا الأمر في إحدى الصحف.
الأرجنتين آه.