التاريخ الثقافي للقباحة

ثقافة 2024/01/24
...

عبد الغفار العطوي

تبدو الكاتبة الإنجليزية  فرجينيا وولف  في المجموعة  القصصية  المترجمة- ت - فاطمة ناعوت (الفستان الجديد) كعادتها  السيدة الأولى في  الكتابة السردية، من حيث حرصها  على التمسك بأدق تفاصيل المراسيم النظرية لتيار الوعي، المسار الذي أوصلته لنهايته حتى نهاية حياتها المأساوية البشعة ( ت1944)  منتحرة  بالغرق، و كان اختيارنا  لقصة (الفستان الجديد) تحديداً بناء  على ما ذكرته المترجمة  من كون الكاتبة تشبه بالفرس الحرون، و هو مؤشر خطير على ما ستطرحه في هذه القصة القصيرة من مزالق وبدوره  الأستاذ (محمد عناني)  المراجع و المقدم  للمجموعة المختارة  التي نشرت عام 1927 يؤيدها  تماماً،

 إضافة لما قدماه  عن الكاتبة  المثيرة  للجدل، فهي  تعتبر أول من قدم الرواية الحداثية،  و مراجعة قصة (الفستان الجديد) للتأكد من أن ما قلناه  في قدرتها على الموازنة السردية بين مفهومي الجمال و القباحة  اللذين تقاسما القصة  في مسألة التأثيث السردي في الثياب الكلاسيكية التي لم تعد مناسبة في زمن السرد، و التحولات  التاريخية الثقافية  بين ذائقتي الجمال و البشاعة  نتيجة انخفاض مستوى  التذوق الفني  و إسهامات استطيقا  القبح  لدى السيدات (شخصيات القصة) التي كانت  وولف كعادتها حاذقة في صياغة عالمها برثاثة المحتويات فتشعرنا بالقرف في وسط بهرج جمالي من الضوء الخافت المدروس إلى حضور الاكسسوارت و أدوات الزينة النسائية المختلفة  على تسريحة  تنتهي بمرآة في الطابق العلوي، و الانصهار المنولوجي بين إنشاءات الكاتبة و النسوة (مايبيل  مسز بارنيت كلاريسا بالواي مسز هولمان ميلان شاو في الصالة) تعالو نحلل المحتوى الجمالي- القبحي للملابس النسائية بين القدم والحداثة (المودرن) كي نفهم ثيمة القصة بحذافيرها، أي أن اهتمام فرجينيا وولف  في تصوير  مشاعر الفقر  المادي  يؤدي إلى ضعضعة  في الاسترقاق الجمالي، ليعلو منسوب القبح  و البشاعة و الرثاثة في الخطاب  الذي تقدمه النسوة، يقدم  كيث اوتلي في (كما الأحلام  علم النفس في  القصص  الخيالية) معالم القصص الخيالية التي تعطي لتأملات فرجينيا وولف وشخصياتها النسائية الأساسية، و القراء المحدقين بتفاصيل القصة، أطوافاً من الأحلام حيث كتب في تمهيده يتناول هذا الكتاب طريقة تأثير  القصص الخيالية  في عقول القراء  و الجماهير  و المؤلفين   و أدمغتهم ، و مفاد هذه القصص الخيالية المختلقة برأيه، ليس مجرد جزء من الحياة  و لا هي  محض  ترفيه، و لا مجرد هروب  من الواقع اليومي  -- - بل هو نموذج نبنيه نحن القراء  بمشاركة الكاتب (ة) لكي يمكننا  من رؤية  الآخرين  و رؤية أنفسنا رؤية أوضح ، فلقد كانت الكاتبة مرتبكة في تأثيث المكان، لهذا لعبت لعبتها المعروفة، في التحايل على الوجه و القناع  السردية (في عدم التفريق بينهما) بمعنى طغيان تاريخ القباحة الثقافي على نزعة الصدق لدى الكاتبة، لرغبتها في دمج الظاهر السردي مع الباطن الوصفي (بطريقة الأحلام) حيث الملمح الجمالي مقابل التاريخ الثقافي للقباحة التي أشارت إليه في نقدها لـ (مسز هولمان لمايبيل  و المنزل المبني من الصفيح) روبرت بار يبين في (الوجه و القناع) أول بوادر انتكاسة علامات الجمال، وبروز معالم بشعة في التاريخ الثقافي للقباحة بدء من قيام المفاضلة لدى شخصية الزوجة مايبيل (لها ولدان) بين كاتالوج أ مها، و كاتولوج الموضة بعد زوال العصر الأمبراطوري، كأنها (امرأة من  الحجر) التي وصفها بار في الكتاب المشار إليه آنفاً، مع ذلك فإن أهم معضلة نواجهها نحن البشر العاديين في جهلنا أين تصنع ملابسنا ؟  كي تناسب أجسادنا  القبيحة ، ناهيك  كيف و متى! في عصرنا الحالي لم يعد  يهتم الإنسان بهذه الفكرة الشيطانية ظناً منه أن الشخصية  قبيحة متى ما تخلت عن الملابس المصنوعة، مع ذلك اهتمت وولف بها، كيلسي  تيمرمان في (أين تصنع ملابسنا؟) رحلة حول العالم  لمقابلة صنّاع  الملابس- أين تصنع ملابسنا ؟ يقول: ليس سؤاًلاً  مرتبطاً بالجغرافيا  بقدر ما هو مرتبط بصنّاع  ملابسنا  و نسيج حياتهم  هذه الرحلة  تدور حول الطريقة  التي نعيش بها، و الطريقة التي  يعيش بها هؤلاء لأنه في ما يتعلق  بالملابس ، يصنعها آخرون  و نرتديها نحن جاهزة، و ثمة فارق كبير  جداً بين الأمرين، من هنا يبرز التاريخ الثقافي للقباحة  في مسألة الإحساس بالاغتراب  بين الشعور بالجمال  القائم على الجسد  العاري (النسائي) و بين التوجّس  القبيح في الملابس  التي صنعها صنّاع مهرة بملامحهم المستلبة، في (مبادى علم الجمال – الاستطيقا) شارل لالو نجد أن مناهج علم الجمال لم تحل مشكلات الجمال في موضوعاتها و لا نظرياتها، لأنها أبقت على فكرة الثنائيات بين الجمال و الإبهام، و قدّم  بنس ناناي في (علم الجمال) في موضوعة – الجماليات و الذات – فكرة أن الوصول لمتعة جمالية يعتمد على فهمنا لها كمتعة خالصة، لأن تغيير الذات  مرتبط بتغيير الجماليات، ففرجينيا وولف استقدمت تأثيثاً استطيقياً جمالياً بشعاً في القصة لإيضاح أن الوعي الجمالي تشيطنه غربة الفقر و الانسلاخ الطبقي، و بالتالي استعادة التاريخ الثقافي للقباحة، لنجده في كتاب غريتشن أي هندرسن الذي استطاع الإلمام  بمنتوج القبح في حرماننا من التذوُّق  الفني الذي يفرض عدم الفصل بيننا و بين محيطنا، تخوض  مقدمة المؤلفة  في العلاقة الدقيقة بين الجميل و القبيح كمردود سؤال  ثقافي من حيث يشكِّل  جزءاً من  التاريخ الثقافي للقباحة ينطلق لإعادة  لحظات ثقافية  مختلفة  تكشف  عن تغير   مفاهيم (القباحة) فالقباحة  مصطلح فضفاض،وإن البحث في الجذور الإيتمولوجية للكلمة  يعني إعادة إحياء و إغناء التاريخ  الإنساني المزدحم بالمخاوف  التي رسبت في أعماقنا صورة القبح على أنها نتاج ممارسات خاطئة في تذوُّق الجمال بفنيته ، و هو ما لوَّحت به وولف في التركيز على نمط الموضة،و نعت البشاعة في لبس الفستان الجديد من قبل (مايبيل) ،  و غريتشن اي هندرسن  تعبر في كتابها عن آلاف العيِّنات من التشوُّهات العلمية التي تتوفر بها صور القبح دون الالتفات إلى عيِّنات من ( الأفراد القبيحين) الطبيعية   في التاريخ الثقافي، فمنذ العصور القديمة، و حتى عصرنا  الحالي  طرحت حيوانية الإنسان  تهديداً ظاهرياً بأن الطبيعة و الثقافة قد تحرّفان أو بشكل آخر تشوّهان  هيئة الإنسان المثالية و تحولانه إلى وحش قبيح ، و هو مؤشر حملته قصة (الفستان الجديد) استطاعت وولف توظيفه بدقة فائقة، أن نسمي هؤلاء الأفراد بـ (القبيحين) تقول هندرسن إن إعادة  نقش  وصمة  (قبيح) على هؤلاء الأفراد، أنا أقوم على نحو لا مفرَّ  منه بالإسهام  في فعل (تشكيل الآخر).