الأدباء العرب وعدوان إسرائيل.. درع الكلمة المضاد للخذلان
صدام الزيدي
مع مواصلة الغرب على تقديم الدعم السياسيّ والعسكري للاحتلال الإسرائيلي، تتفاقم مآلات الحرب على غزة مستهدفة كل شيء من بشر وحجر وتاريخ، في حين تتزايد نبرة القهر لدى حشد طويل من الأدباء العرب أمام صمت الأنظمة العربية وأهوال الأخبار والأرقام والمآسي الآتية -عبر الشاشات الفضيّة- من الأرض الجريحة.
الكتاب والأدباء العرب ليسوا بعيدين عن تفاعلات الأحداث ومشاهدات الحرب الهمجية على قطاع غزة، تلك التي تجاوز فيها جيش الاحتلال كل المواثيق الدولية والقوانين الإنسانية، بينما يواصل للشهر الرابع القصف والتهجير والقتل بحق شعب أعزل ومحاصر.. ما يدفع بأسئلة كثيرة، من بينها: كيف يرى الأدباء والكتاب العرب إلى ما يحدث في غزة، وما الذي قدموه لنصرة شعبها هناك؟
الكلمة أمام الموت
يقول الروائي والأستاذ الجامعي العراقي المقيم في مدريد- إسبانيا عبد الهادي سعدون، إننا "لا بد من أن نكون صريحين أمام تساؤلات مثل هذه، فالثقافة العربية رهينة سياسات حكوماتها من تعتيم وملاحقة ومنع، إلا من تلك الأصوات الفردية الحية من المثقفين العرب التي تعلن موقفها كتابة وإعلاء الصوت ضد هذه الهمجية الصهيونية التي تمتد لسنين طوال، وتقدم نموذجها الوحشي اليوم أمام أنظار العالم أجمع، ولا من معين، أو معترض، أو مدين، إلا القلة القليلة من الأصوات الحية الحقيقيّة في عالمنا أو العالم الغربي".
وبأسىً، يضيف سعدون: أمام طفل فلسطينيّ يقتل تحت وابل قنابل ورصاص العدو، لا معنى للكلمة حقًا، أمام قتل الروح الإنسانية لا ثقافة تبقى. ومع هذا لا شيء آخر لنا غير أن نكتب ونكتب في محاولة لإيصال صوت المقهورين للعالم حتى لو رأينا حكوماتنا (العربية) صامتة وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد.
ويعتقد سعدون أنه على المثقف العربيّ أن يصبح رأي وصوت بلده بدلًا من حكوماتنا المتخاذلة.
حرب المنصات
ومنذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على غزّة، شرعت إدارات عدد من منصات التواصل الاجتماعي بحذف وتغييب المحتوى المناصر للقضية الفلسطينيّة بطريقة مريعة سقطت معها كل شعارات وأكاذيب الغرب الحر والإنسانيّ، حينما عاش كثير من الناشطين والكتاب وناشري المحتوى العرب صدمة حقيقية كشفت زيف الغرب بأنظمته ومستثمريه من القائمين على المنصات. فكيف كانت تجربة الكتاب العرب، وكيف ينظرون تجاه ممارسات القمع ومصادرة الحريات على المنصات الاجتماعية التي وجدت أساسًا لترفع من سقف الرأي الحر وإشاعة ديمقراطية التفاعل المعولم.
وينبه سعدون، إلى أنّ المنصات الاجتماعية هي نفسها صنيعة العولمة، والتي تديرها الشركات العالمية المهيمنة، ومن هنا فنحن "لسنا سوى أحجار ضئيلة أمام قوتها الغاشمة"، إذ تمنع وتصادر الحقوق متى شاءت ولفائدة "الأخ الأكبر" المهيمن الجبار على كل وسائل الإعلام التقليدية أو المعاصرة.
ويتساءل، بينما يتابع حديثه: ثم ماذا علينا أن نفعل؟ محاولة إيجاد البديل عن "فيسبوك" وغيره في مواقع (إنترنيتية) أخرى أو انشاء البديل عنها في صفحات ومواقع جديدة، أو الانتقال لمواقع غير منحازة، وإذا لن توجد، يستدرك سعدون، فيجب الإصرار على التواجد في المنصات الاجتماعية المتداولة على الرغم من تحيزها الواضح، ومشاركة الآلاف من الأصدقاء الآخرين والتأكيد والمعاودة والإصرار، كما أفعل أنا شخصيًا، ومحاولات التأكيد والترويج للأصوات النظيفة في العالم الغربي المؤيد والفاهم لقضيتنا والرافض والمندد للهمجية والإرهاب الإسرائيلي.
ويرى سعدون إنه برغم التعتيم والمنع والحذف، لابد من الإصرار والبقاء في المنصات وألا نختفي بالمرة منها، حتى لا نتركها للمنحازين للإجرام.
الانصهار في المقاومة
من جهته، يقول الشاعر التونسي، عبد الواحد السويح، لـ "الصباح": لنتّفق أولًا أن الثقافة بمعناها الأنثروبولوجي هي الدليل القاطع على إنسانية الإنسان، فلولا الثقافة لما كان الإنسان أصلًا. ولنتفق أيضًا على أمر آخر في غاية الأهمية والمتمثل في العولمة التي حولت الأرض إلى قرية صغيرة يستطيع أي كائن فيها مشاهدة الآخر والاستماع له.
ووفقًا للسويح، فإن تنوع وسائل التواصل الاجتماعي من شأنه أن يضمن للثقافة العربيّة موطئ قدم لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، والدليل على ذلك ازدياد عدد المناصرين للقضية الفلسطينية من الدول الغربية، موكدًا أن "هذا التعاطف هو رهين الصدق في القول والإخلاص في العمل، فعلى المثقف العربي أن يخوض المعركة بنفس الدرجة التي يخوضها الجندي في ساحات الوغى".
ويضيف: لست في صدد تقديم نصائح مدرسية، ولكن الإيمان بالقضية يحتم علينا باعتبارنا مثقفين عربًا أن ننصهر في المقاومة ونعطيها من جهدنا ووقتنا وأموالنا وأنفاسنا وأقلامنا، كل ما ينبغي أن يُعطى من دون ملل أو كلل، لأننا نعلم جميعًا تأثير الكلمة والصورة في الجماهير عمومًا العربية منها والغربية.
الكتابة بلغة أخرى
ومن ناحيته، يستعيد السويح مواجهاته الأولى على المنصات عندما شرع بالتضامن مع غزة عشية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. كما يقول: لاحظنا جميعا ذلك وتتالت النداءات التي تطلب الدعم وتستجدي (التعاليق) لمواجهة نظام خوارزمي ضُبط بطريقة ممنهجة في صالح السياسة الصهيوأميركية.
لكن السويح، يفيد أنه لم يكترث بعنصرية وقمع المنصات في بادئ الأمر: واصلت النضال والمقاومة عبر صفحتي على الفيسبوك بطريقة عادية لكن بعد العقوبات التي سلطتها عليّ إدارة الفيسبوك من حذف وحظر، أيقنت أني فعلًا أخوض حربًا ولا بد لي من البحث عن وسائل تضمن مرور تدويناتي ونجاة منشوراتي من تلك الرقابة اللعينة التي تكيل بمكيالين وتكشف عن عنصرية مقيتة وتضامن كلي مع العدو فكان الإجراء الناجع المتمثل في تقسيم الكلمات المحظورة إلى مقاطع وترك بعض الفراغات بين مقطع وآخر. إلا أن ذلك لم يكن ليكفي فنسبة كبيرة من أصدقائي ومتابعيّ من غير الناطقين بالعربية، لذلك حرصت على الكتابة أحيانًا بلغات أخرى ومشاركة الفيديوهات الغربية أو الأميركية المناصرة للقضية الفلسطينيّة لضمان التأثير أيضًا في المتقبل غير العربي.
مبدعون ناصروا قضايا أممهم
وغير بعيد، يؤكد الشاعر والكاتب المغربي، صالح لبريني، أن الإبداع الإنساني، عبر تاريخ البشرية، ينتصر للحق ويدافع عنه باستماتة وإيمان، وأن المتأمل في خريطة الإبداع العالمي سيجد العديد من المبدعين الذين نذروا وجودهم لقضايا أمتهم أو الأمم الأخرى.
وفي السياق نفسه، يشير لبريني في حديثه لـ "الصباح"، إلى الشعراء لوركا وبابلو نيرودا ومحمد إقبال، فهؤلاء وغيرهم كانوا صوت الضمير الإنساني في زمن الظلم والعتو والاستبداد. وأمام هذا العدوان الجائر والهمجي للاحتلال الصهيوني على قطاع غزّة والذي تجاوز المواثيق الدولية وميثاق الأمم المتحدة والأعراف، حيث الإبادة الجماعية هي اللسان الناطق بحال المدنيين في غزة، على المثقف العربي أن يواصل التعريف بالقضية الفلسطينيّة عبر الإبداع بشتى أنماطه وأنواعه للتعبير عن محنة الناس في غزّة، واستثمار وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة والوسائط الاجتماعية بتعدد تسمياتها لتسليط الضوء على الجرائم التي تقترفها الآلة الصهيونية في حقهم، إضافة إلى ضرورة الانخراط الفعلي في هذا.
ويستعيد لبريني ما قام به الشعراء محمود درويش وسميح القاسم وأمل دنقل وغيرهم سابقًا، عادًا ذلك أنموذجًا يمكن للمثقف العربي ومن ثم الثقافة العربيّة أن تحذو حذوه دفاعًا عن القضية الفلسطينيّة.
ويؤكد لبريني، أن العدوان الهمجي على غزّة كشف عن حقيقة الغرب وشعاراته من حرية وديمقراطية وعدالة ومساواة والتنوير، إذ تبيّن بالملموس أنه غرب الكراهية والعنصرية والاستبداد، ويحارب الرأي المختلف معه، وهذا ما تجلى عبر الوسائط الاجتماعية كالفايسبوك وغيره، إذ تعرضت للمنع بمجرد أن عبّرت عن مساندتي اللامشروطة مع مواطني غزّة لما يتعرضون له من حرب شعواء تأتي على الأخضر واليابس، بل عبّرت من خلال تدويناتي ومقالاتي عن تنديدي ورفضي لما يتعرض له الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة، لكن مآلها الحجب والمنع، مما يؤكّد أن هذه الوسائط في عمقها تم ابتكارها وتوظيفها لصالح الصهيونية العالمية التي أصبحت متحكمة في العالم بأسره.