ستُّ قصائِد

ثقافة 2024/01/25
...

  طالب عبد العزيز 


 1

 حين وضعَ الأُسقُفُ يدَه على رُكبتها 

سقط مسيحٌ في المذّبح ..

وارتجفتْ كثيراً شفةُ الرَّبِّ اليابسة، 

قبل أنْ يكلَّمها عن الوفاء.

وقبل أنْ يتشربَ الخجلُ 

برائحةَ العظمةِ في الصولجانَ  

الفمُ المضنون بابتسامته دائماً

والسَّاقيةُ المُضمرةُ بين الذراعين

أوَّدتْ بالثلاثِ المريماتِ عند المدخل.

كانت تقول: لا تحرّْرني من الجنون

انا نصفُ الورقةِ الذي سقطَ من كرسيِّكَ، أمس

وها هو ذا، وفدُ الجَّمال قد أقبلَ 

عليكَ أنْ تدفعَ بالعربةِ الى جوفِ السَّهل إذن. 


  2 

حين جمعتني لُحْمةُ الليلِ بها 

كان النَّهرُ يلامسُ فكرتي عن الماء 

وحين تمرَّدتُ على الطريق 

بسروالٍ وقصيدتين قصيرتين  

رمت الايامُ بحجارتها على حذائي 

كنتُ حديثَ العهدِ بالفوانيس والشرفات

حتى أنني لم أومئ لأحدٍ سواها.. 

أو كلما ادِّخرتُ درهماً، ديناراً 

أخذتني المباهجُ الى دارتها ونمت! 


  3

مدينٌ لكِ بهذا الأخضر المديد  

الذي يضعُ وسادته على الماءِ، ويغفو  

مدينٌ لكِ بكلِّ الازرق الشذريِّ 

الذي تأخذني عينُه الى السلام ..

وبكل ما بيدِ البزَّاز من المخمل والصَّبر

وبكل ما في الأرفف من السجق والنبيذ 

ومدين لكِ بما تُركَ وأهملَ على عشبِ الحديقة 

من الخجلِ والقبلِ والعناق..

وبكلِّ ما لا يُؤَنْسَنُ في حقائبِ المشرّدين

من الغضب والسَّفاهةِ والكركرات

وبكلِّ ما تقدَّمَ وتراجعَ خائفاً ..

تحت أقراطِ النساء ..

وما ظلَّ يتفصَّدُ من الدمع على أردّيةِ الأطفال

وبما لا أتذكره من الحيرةِ والبردِ على سياج المدرسة ..

وبما لا اعرفه، ولا أجهله من الوفاء 

في حدود الياسمين .


  4

وقتٌ فائضٌ لرجوعِ النَّهار 

وشجرةٌ أخيرةٌ لشمسٍ ستغيب 

المشيئةُ الثانيةُ للمطر 

فضلةَ الظلِّ التي تدثِّرُ العَتبة. 


 5

الدخانُ الذي شاء أنْ يكون دخاناً 

من الكوخ، الذي لم يكُ كوخاً، 

أخرجُ برغبةٍ واحدة، لأكونَ الفجرَ وما يليه

وإلى رملةٍ بعيدةٍ ..

تأخذُ بيدي من كنتُ على سريرها البارحة 

ما انا بغائبٍ، أنا محضُ شجارٍ قديمٍ: قلتُ 

أردتُ أنْ أعودَ منه بطعنةٍ يتيمةٍ 

وبعكّازتي هذه .. يمكنني تسويةَ الطريق، 

الى حيثُ لا أحدَ يتوقفُ عن الكلام،

ولا أحدَ يرفوَ عباءةَ الصمت.


 6

لم تكن المقبرةُ بعيدةً، كانت النعوشُ تمرُّ بي 

ومن أفاويق الليل، تعبرني الى هناك.. 

أنا أصدِّقُ الموتى، الاحياءُ يكذبون. 

كان يتنزلُ من رأسِ المرأةِ جرّدلٌ عميق 

بالكاد أبصرتُ وجهيَ فيه، هالني،

فأخذتهُ الى رهطِ منتصرين ..

ومن هناك، من هناك، رأيتني أتدحرجُ. 

رأسي الذي يعطّرهُ الحلّاقُ مرةً في الشهر 

تدحرجَ بعيداً، بعيداً عنّي، 

حتى أنني ما تعثرتُ به.