مهرجان بغداد للمسرح العربي

ثقافة 2024/01/29
...

 ا.د. عامر صباح المرزوك


«المهرجان فكرة موفقة جداً، لأنه حقق تجمع الفنانين من أقطار العالم العربي، وهذا يخلق جواً من الألفة والتعارف والتنافس الشريف لمصلحة فن المسرح في العالم العربي»، بحسب الفنان يوسف شعبان.

صدر عن الهيئة العربية للمسرح بالشارقة كتاب (خرانة الذاكرة .. مهرجان بغداد للمسرح العربي) جمعه وأعده الباحث الدكتور علي محمد هادي الربيعي، ويقع في جزئيين بواقع (1532) صفحة من القطع الكبير، وتمت طباعته ضمن إصدارات مهرجان المسرح العربي بدورته الرابعة عشرة التي أقُيمت مؤخراً في بغداد، ويُحسب لدائرة النشر في الهيئة تبنيها طباعة هذا المنجز المسرحي، لأهميته العلمية، ولسعة حجمه، ولما يحوي من معلومات ثرية وثقت للمسرح العربي.

الكتاب يوثق لخمس دورات من مهرجان بغداد للمسرح العربي الذي تناوبت على عقده جهتان، الدورة الأولى أقامها منتدى الأدباء الشباب في تشرين الأول 1985، وحملت عنواناً رئيساً (مهرجان بغداد المسرحي الأول)، أما الدورات الأربع الأخريات أقامتها دورياً وزارة الثقافة والإعلام/ دائرة السينما والمسرح في شهر شباط في الأعوام 1988 و1990 و1992 و1994، وحملت عنواناً رئيساً: مهرجان بغداد الأول للمسرح العربي، مهرجان بغداد الثاني للمسرح العربي، مهرجان بغداد الثالث للمسرح العربي، مهرجان بغداد الرابع للمسرح العربي.

وهذا المهرجان من يطالع واقعه سيلحظ إقامته في ظل وضع سياسي وعسكري واقتصادي تخيم بالعراق في ثمانينيات القرن العشرين ومفتتح تسعينيات القرن نفسه، وبرغم الظروف القاسية واستثنائيتها، تحدى العراقيون أنفسهم، وتحدوا العالم، وحققوا هذا المهرجان.

اجتهد المؤلف في جمع مادة الكتاب مما يدخره في خزانته من كتيبات تعريفية (فولدرات) خاصة بالمسرحيات التي عرضت في المهرجان، ونسخ المقالات الصُحفية التي تعلقت بأستار المهرجان ولابست واقعه، ونُشرت في الدوريات العراقية، كما وضع هوامش تعريفية وتوضيحية وتصحيحية في بعض المواطن التي استشعر بأن المعلومات الواردة فيها بحاجة إلى بسطة أوسع.

فصل الكتاب على أربعة أجزاء، حملت ثلاثة منها وقائع الدورات الثلاث الأولى، أي الدورات التي أقيمت في الأعوام 1985و1988و1990، فيما حمل الجزء الرابع منه وقائع الدورتين الرابعة 1992 والخامسة 1994، فضم الكتاب في متنه معلومات طرقت أبواب المسرح العربي وأعلامه، وامتازت بثرائها وسلطانها الفكري والمعرفي، وقد تناثرت في الدوريات (الصحف، المجلات، النشرات) العراقية، وبقيت حبيسة صفحاتها، ولعل الكثير من المسرحيين العرب والعراقيين لم يطلعوا عليها، وأنها مادة خام يفيد منها الباحثون المسرحيون وخصوصاً طلبة الدراسات العليا.

وكانت المواد الصحفية والنقدية ناهضة وممتعة لصحائف تاريخ المسرح العربي التي دونتها أقلام عربية في كتب برأسها، أو في أبحاث ومقالات، ففيها الشيء الكثير الذي يغني المسرح العربي.

واشترك في دورات المهرجان مجموعة كبيرة من الفنانين العرب والعراقيين نذكر منهم: «يوسف شعبان، محمد الجندي، نضال الأشقر، داود حسين، محسنة توفيق، حسن توفيق، عبد الغفار عودة، علي الحجار، سامي عبد الحميد، سعد أردش، جعفر السعدي، عقيل مهدي، عواطف نعيم، جميل راتب، يوسف إدريس، عايدة عبد العزيز». فقد أنفق المؤلف الربيعي في هذا الموضوع سنوات عديدة، قطع فيها دروباً وعرة، قلب فيها الآلاف من الأعداد والنسخ من الدوريات، فاحصاً إياها، مفتشاً في متونها، مُنقراً في سطورها، حيث تمكن من رصد كل ما كُتب عن الدوريات المسرحية الخمس.ثمة كوابح عديدة وقفت أمام المؤلف، منها أن حيثيات الموضوع تمتد إلى سنوات عديدة، وإنها تناثرت وتشتت في أوعية عديدة، وأن الفنانين المشاركين في دورات المهرجان وخصوصاً العراقيين منهم وأصلهم المؤلف لأخذ المعلومات منهم، لكنهم تعذروا من عدم وجود أرشيف في خزانتهم، والأدهى أن المؤسستين اللتين أقامتا المهرجان قد فقدتا أرشيفها الخاص، لكن المؤلف أصر إلى خوض غمار الموضوع، والاستعجال في قطافه. والحق يقال إن هذا الجهد الكبير الذي بذله المؤلف، هو جهد مؤسساتي كبير، يُحسب له، وكما نعرفه من الباحثين الموثوقين في دراسة تاريخ المسرح العربي، والغور في تحقيق وثائقه، وتناول أعلامه.