ساندرو بوتيتشيلي.. من الظل إلى النجومية

ثقافة 2024/02/11
...

  كارين روزينبيرغ
  ترجمة: كريمة عبد النبي

يتحدث الكثير من رواد المعارض ومحبي الرسام والمصور الإيطالي ساندرو بوتيتشيلي عن لوحاته المدهشة التي تدل على أنه واحد من الموهوبين في مجال الخط الذي يستخدمه في الرسم.
وبالنسبة  لفيوريو رينالدي أمين عام ورئيس قسم الرسومات والمطبوعات في متحف الفنون الجميلة في مدينة سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة بأن أعمال بوتيتشيلي المعروضة تعبر عن جوهر هذا الفنان ومفتاح تقييم أعماله.
كتب رينالدي في سجل المعرض "يجعل بوتيتشيلي من الخط القوة الرئيسية الجذابه التي تقف وراء معظم شخوص لوحاته وحركاتهم الإيقاعية". ويقول رينالدي إن "بوتيتشيلي يستخدم الرسم كوسيلة لخلق، ترتيب، والسيطرة على التركيبة وبنية اللوحة من خلال ما تظهره حركات تلك الشخوص في اللوحة".
عاش هذا الرسام في مدينة فلورنسا الإيطالية للفترة (1445 - 1510) حيث ظهر ولعه في فن التصوير وهو في سن مبكرة من حياته. أرسله والده ليتتلمذ على يد فيليبو وهو صاحب مرسم ونحات آنذاك ليظل تأثيره واضحا في أعمال بوتيتشيلي.
بعد أن أتقن بوتيتشيلي هذا الفن قام بتصوير العديد من الشخصيات التي من خلالها أظهر دقة بالغة في هذا المجال، كما كان دقيق الملاحظة للشخصية الجالسة أمامه. غادر إلى أوروبا للمشاركة في تزيين وزخرفة الكنيسة التابعة لمبنى الفاتيكان حيث أنجز عمله التصويري الجصي الجداري لمشاهد من حياة موسى وعيسى. ساهم هذا العمل في إنضاج أسلوبه كما زاده احتراما وتقديرا لتنهال عليه طلبات إنجاز الأعمال الفنيّة الدينية.
بعد ذلك أظهر هذا الفنان مهارة عالية في فن البورتريه وأصبحت الكثير من الشخصيات تسعى خلفه لعمل بورتريهات لها، وعلى الأخص بعد إنجازه لبورتريه سيدة ارستقراطية رسمها بصورة احترافية سلط من خلالها الضوء الأبيض ليثبت مهارته في هذا المجال.
وبعد أن سيطرت الحماسة التعبدية على بوتيتشيلي، بدأ بترك إنجاز الأعمال الفنية التي كان الهدف من وراءها الحصول على المال وترك ذلك إلى طلابه العاملين معه في مرسمه الخاص. خلال فترة عمله في مرسمه الخاص أنجز بوتيتشيلي لوحة "العذراء والطفل مع يوحنا المعمدان مع ستة من ملائكة الغناء"، لكن الشخصيات في هذا العمل ظهرت وكأنها غير مترابطة مع بعضها البعض والمشكلة مع هذا الرسام هي أن رواد الفن لديهم مشكلة مع رؤية هذا الفنان وتصنيفه على أنه فنان عصر النهضة وإن كان هو كذلك بسبب الوقت والجغرافية.
ولكن، حتى في أعماله المبكرة التي حظرت من خلالها روحه وفرشاته، لم يكن يبدو عليه وكأنه يعيش في ذلك الزمن أو يتبع نفس قواعد الفن التي كان يتبعها مايكل أنجلو وليوناردو في معظم أعماله، لكنه مع ذلك أنجز لوحات دينية كشفت عن مشاعر جادة ومنضبطة لهذا الفنان ومنها إنجاز رسوماته التصويرية لملحمة" الكوميديا الإلهية" لدانتي حيث ضم هذا العمل سلسلة من واحد وتسعين رسما توضيحيا أنجزها على جلد الغنم وهي معلقة حاليا في متحف برلين والفاتيكان ونادرا ما يتم نقل هذا العمل إلى أماكن أخرى.
أنجز هذا الفنان العديد من اللوحات والصور التي تتناول المواضيع الدينية من بينها عدد من الصور للسيدة العذراء والتي تميزت بخطوطها الواضحة وألوانها الرقيقة ليصبح بعد ذلك واحدا من الرسامين الذين لجأت إليهم بعض الأسر لتزيين منازلهم أو رسم صورلهم.  
ومن لوحاته المذهلة المعروضة في هذا المعرض والتي تم نقلها من متحف اللوفر هي لوحة تمثل السيدة العذراء والطفل ويوحنا المعمدان حيث حظيت تلك اللوحة باهتمام بالغ من قبل رواد المعرض والمختصين في مجال الفن بسبب التفاصيل الدقيقة التي أظهرها منها رسم رأس السيدة العذراء بطريقة مقلوبة وبخطوط واضحة ولهذا السبب أطلق عليه المؤرخ الفني المشهور بيرنارد بيرينسون "أعظم فنان شهدته أوروبا في مجال التصميم الخطي".
وقد قام أمين عام المتحف والمشرف على معرض بوتيتشيلي بجمع العديد من أعمال هذا الرسام من مختلف المتاحف الأوروبية بما في ذلك متحف اللوفر وقاعة لندن للفنون ليصبح هذا المعرض واحدا من المعارض التي تستحق الزيارة نظرا للأسلوب المتميز لهذا الفنان والمهارة العالية التي أظهرها في إنجاز لوحاته من رسم للخطوط وطريقته في تسليط الضوء على شخوص هذه اللوحات ليجعل منها أعمالا لا تقدربثمن.
توفى هذا الفنان وهو في حالة من الفقر وتم بيع مرسمه بكامل محتوياته. واشتهرت أعماله بعد وفاته بعد أن تم اكتشاف معظمها في القرن التاسع عشر من قبل عدد من الفنانين والكتاب البريطانيين الذين أبدوا اهتماما كبيرا بالفن الفلورنسي (نسبة إلى مدينة فلورنسا) ومن بين هؤلاء الناقد الفني جون روسكين والرسام دانتي غابرييل روزيتي وأدوارد بيرن-جونز.
 بعد عام 1492 كثرت الاضطرابات السياسية مع تصدر الراهب جيرولامو سافونارولا المشهد السياسي وكان بوتيتشيلي من أتباعه المقربين حيث تعرض إلى صدمة كبيرة بعد وفاة هذا الراهب حتى أنه لم يلمس فرشاته لفترة من الزمن ليعود بعد ذلك بواحدة من أفضل لوحاته وهي بعنوان "ميلاد المسيح الروحي" التي أنجزها عام 1500 وأظهر من خلالها عناية كبيرة بتفاصيل الوجه وعناصر المشاهد الخلفية للوحة.
لم يكن بوتيتشيلي محظوظا في بداية حياته الفنية حيث بدأت شهرته تتراجع قياسا بفنانين أصغر منه سنا مثل ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو الذين برزا كأشهر رسامي عصر النهضة ليذهب بوتيتشيلي إلى الظل رغم أهميته في تاريخ الفن الا أن نجوميته لمعت بعد اكتشاف لوحاته في القرن التاسع عشر.

عن صحيفة النيويورك تايمز