زهير الجبوري
إنَّ المتابع والمتفحص في تجربة التشكيليّة العراقيّة رؤيا رؤوف يمسك بثيمات غاية الأهمية وهي تشتغل داخل إطار الفن التعبيري الذي يفتح آفاقه تجريديا تجاه الموضوعات التي تختارها، ولعل المرأة وما تحمل من دلالات أنثوية هي شغلها الأساس، بل تأخذ مساحة واسعة في ذلك من خلال شعورها الواعي لكينونتها ولتركيبتها الأنثروبولوجية، وهو أمر طبيعي جدا فمن خلال اللوحة تعبر عن حضورها الفني والثقافي، وأحسب أنها تمضي بمشروعها بدقة الاختيار والتفكير بالموضوعات المطروحة واختيار اسلوبها المعهود، بمعنى أنك حين تشاهد لوحة معينة تستدعيك اللحظة إلى أنها رسمت بأنامل هذه الفنانة.
ولا ضير في أن تنشأ هذه الفنانة في جو ثقافي، إذ والدها الراحل الأستاذ رؤوف جبوري، الذي يعد واحدا من رواد الحركة الثقافيّة في العراق، وكان أول من ترأس مجلة (الحكمة والغد) وكذلك أول من أصدر جريدة (الحلة) قبل قرن، وزامل في ميدان الصحافة شاعر العرب الأكبر الجواهري، هذه العوامل تأخذ على عاتقها بذرة النهوض بواقع ثقافي، واختيار ميدان الرسم هو من جماليات هذا الميدان والأكثر احساسا وممارسة.
ثمّة ايقاع واضح في اسلوب رؤوف، هو كيفية استخلاص أشكال المرأة في وجهها وجسدها وحركاتها، هي لعبة ترتبط بتقنية الأداء وبالفكرة التعبيرية المستوحاة من خيالها، وبالرغم من تميزها في ذلك، إلاّ أن هناك علامات تطرحها الأشكال هذه، فتارة نمسك بالمرأة وهي مشحونة في جو إيروتيكي، وتارة في نصف وجه حزين، وأخرى في انتفاضة عنيفة، أو حتى وجوه شرقية محافظة، كلّها تشير إلى بروز حالة المرأة عبر نوازعها وجمالياتها المثيرة، وقد بانت عن طريق تكريس اسلوبها بشكل أكثر فاعلية وبمهارة الأداء، كما ترتبط المسألة بالجانب الثقافي وبالبعد المعرفي لدى الفنانة، بمعنى امتلاكها وعي الفكرة ينمي عن وجود موضوعة لها بعدها المعرفي والفلسفي، ولعل التنوع في طرق الرسم والتخطيط واختيار الأبعاد المضمونية (المنظور) ينطوي على قدر كبير في طريقة تحليل كل عمل تقوم به، لذا أجدني في مواجهة لوحات تشكيليّة حذرة تحمل بعدا جماليا خاصا، فعمق الأشكال تأخذ على عاتقها إبراز العديد من المضامين التي تطرحها، هذا التعاقب في سياق رسم كل لوحة أعطى بعدا بنيويا مبأرا مهما كانت انشائية اللّوحة، الاشتغال على أدائية مؤطرة كفيلة بانفتاح نحو عوالم تمس الجانب الاجتماعي والبيئي عن طريق المرأة/ الأنثى/ البنت/ السيدة، ما أخذ على عاتقها قراءة ثيمية متنوعة وكاشفة لتقدم نوعية ما تفردت به من اسلوب تشكيليّ واضح.
اشتغالات رؤيا رؤوف على مدى عقود من سني إبداعها امسكت بخيوط جمالية خاصة واحتفظت بكل أدواتها التي شكلت علامة متفردة في الأسلوب والأداء والنظرة العامة للأشياء المحيطة بعالم المرأة، حتى في مواضع أخرى لو تفحصنا جيدا سنجد ما تخفيه العلامات الثانوية المحيطة (ما وراء المرأة) لها بعدها المضموني الواسع كـ (الأماكن البيئية الشعبيّةـ الشناشيل ـ الأماكن المرتفعة، والأماكن المُزَينة بالشراشف.. وغير ذلك) تكشف عن قصدية غاية الأهمية وهي تتناظر جماليا مع الثيمة الأساسية لشكل المرأة بشكل عام، بالأضافة إلى الألوان وطرق استخدامها. وأحسب أن هناك لمسة احترافية كبيرة أخذت على عاتقها طرق التلاعب المهاري للألوان الحارة والمضيئة مع الألوان الباردة والقانية، مهما كانت هناك تضادات لونيّة (كونتراست) إلاّ أن الواعز التوازني حاضر وتقبله العين، ومهما كانت توصلاتنا للأشياء التي ركزنا عليها، فهي تثير عبر لوحاتها الوجدانيات وتلامس الحس البوطيقي لدى المتلقي، إذ لا تزال تعشق الأمكنة الشرقية التي عاشت وترعرعت فيها رغم اغترابها، وما كانت تحاربها بشكل عام في المعارض الشخصية والعامة سوى البرهان الحقيقي لذلك من خلال تواصلها الأبداعي مع عالم اللوحة التشكيليَّة.