معراج الذاكرة

ثقافة 2024/02/13
...

 عبد المنعم حمندي

ألريحُ نزفي .. سوفَ تحملُني
ويحملُني الغَمامْ
علّي أرى جيلاً من الغضبِ
المقدّسِ وعدهُ
لأشدّهُ بسلالةِ الضوءِ القديمِ
وتشدّني الحربُ الحرونُ
إلى الضرامْ
وأنا انتظرتُ الوعد.

قَدْ جفَلتْ خيولُ الله حينَ أثَارها
القصفُ المعربِدُ
في الظلامْ
أوَ تذكرون الليلَ افواجاً من الشهداءِ
قد جاءوا الينا واجمين
وقالعين عيونَهمْ
ماذا ستحملُ للسمواتِ الدماءْ..؟

وسأذكرُ ..
أوَ تذكرونَ الخبزَ أسودَ والغبارْ
وزنبقاتِ الآهِ في حجرِ
المجاعةِ  والحِمِامْ ..

أوَ تذكرونَ الموتَ .. أنَّاتِ
الرُصافةِ .. دمَعَها .. أبوابَها
ومآذنَ الكرخِ الذبيحةَ
صوتَها .. و نداءَها
وأزيزَ بارقةِ القيامةِ .. والقَيامْ
وأنا أرى في كلِّ هاويةٍ مكائدَ قاتلي
وتكتُّم الشجنِ الفصيحْ
وأمدُّ كفّي .. تلتقي جُرحاً .. أنيناً
قابضاً بيدٍ على كفّي
يصيحْ :
أنا الذبيح..  أنا الذبيح
من الحُسينِ إلى المسَيحْ
أوَ تذكرون دموعَ اشجارِ القُرى
وأنا أرى..
وأنا ارى.. حمَّى لظَى
الإسمنت عَيْنَي طفلةٍ
في السقفِ أُلصِقَتا ..
من فرطِ صبوتها الدما تتضرّعُ
هذا الجدارُ اضالعٌ واصابعٌ محروقةٌ
أمّا الثرى أكبادنا الحرّى
وقد جزعَ الثرَى
لما رأى .. ثدياً نُحاساً خائفاً
في كفِّ طفلٍ يرضعُ
تحنوُ عليه الثديِّ
ثمَّة صرخةٌ لا تُسمَعُ
سودٌ جدائلُ ملجئٍ في العامريةِ يحتَفي
ويُديرُ بوصلةَ الزمانِ .. سحابةٌ
بدمِ الفرات تخضّبتْ
وتخضّبتْ خُضرُ القبابِ
وجُرحُها فوقَ المآذنِ يُرفَعُ..
أوَ تذكرونَ الياسمينَ .. مُحاصرٌ
روحٌ محاصرة بأنفاسِ
العقاربِ  والوباءْ
والأرضُ صقرٌ حائِمٌ
في صمتهِ لغُةٌ يُخبِئُها الإباءْ
أوَ تذكرونَ ..
الذكرياتُ .. الذكرياتُ .. الذكرياتُ
الذكرياتُ . . معلقاتٌ في السماءْ
ولربَّما هذا الهواءْ..
أو ذاك ... أو هذا الضياءْ
ولربَّما مختومةٌ بالموتِ
مَنْ يأتي بموتٍ رائعٍ
يحنو عليه .. وكلُّ تابوتٍ ردِاءْ
ووَقفتُ أُمعنُ في الدماءْ
وأَمَضُّ جُرحٍ في الكواكبِ
أن ترى .. قتلاً يُبرّئُ قاتلاً
والفجرُ بعضاً من إماءْ
في جُلّنارٍ ضاحكٍ
وليختنق نبعٌ و دمعةُ ثاكلٍ
وليذهبْ الشهداءُ نحوَ مجرّةٍ ..

يا للفجيعةِ أن تَرى
البلَوى يُوشحها الهناءْ
أو أنْ ترى النسرينَ يبَذخ عطرهُ
و يُهيمُ مفتوناً بلوعةِ عاشقين.

هيا أصعدي يا روحُ
كم طاوعتُ نبعَكِ وأبتعدتُ
و ِدْتُ بالماضي  وبالنورِ
المُوشّى بالعبيرْ
ولقَدْ حملتك صابراً متباهياً
ووضعتُ في عُنقي السرائرَ كلهَّا
وودائعَ التاريخِ حين يبوحُ إرثٌ
غامضّ
بين الخورنق والسديرْ
......
أو تذكرونَ .. النارَ تلهثُ
تهرعونَ الى الاباريقِ
المُعادة  والتواريخِ المُعادةِ،
والمدى جُرحٌ مُعادٌ ضيّقٌ
سأقومُ أعرفُ أنني مَيتٌ،
وقبري مَنكرٌ
في اللحدِ يبرأُ من نَكيرْ
ورأيتُني أبني .. و أبني
ما تهدَّم من جِسورْ
وأشدُّ اضلاعَ البلاد
وما تحطّمْ في الصدورْ
وأُضيءُ أوجاعَ  الرُصافةِ
سامحاً للكرخِ  والعشاق إشعالَ المها
والجسرُ عادَ من المَعاد
كسوتُهُ بالعظمِ  والدمعِ الغزيرْ
ولمحِ برقٍ زائغٍ قد يصنعُ الإعْجازَ
في البشرى التي صبَرتْ
لينشرها هواهُ مع النشورْ
ورأيتُني أجري .. أُلملمُ ما تفصّدَ

من جبينْ
و ُعيدهُ نبعاً  وماساً كالندى
يغفو على تَعبِ السنينْ
هذا اختياري لامعٌ
علَّ المُنى يوماً ستوصلني
إلى شمسِ اليقينْ.