{كناية الديالكتيك}... الاشتباك المعرفي وتأصيل السؤال

ثقافة 2024/02/13
...

  نصير الشيخ

 "مقداد مسعود" في كتابه ( كناية الديالكتيك) الصادر حديثا عن دار المكتبة الأهلية في البصرة بطبعته الأولى 2023.
وبواقع 146 صفحة قطع متوسط، يقدم لنا متناً فكريا ً على شكل "منصات"، شكلت بمجملها فصول الكتاب أو مباحثه. وسعت هذه المنصات للدخول إلى عمق الفلسفة في ماضيها وحاضرها.
هذا الاشتباك المعرفي في حقله الفلسفي يحضر فيه المؤلف مسائلاً وناقداً ومحاوراً لمجمل أفكار من تناولهم في كتابه هذا، من مفكرين وفلاسفة على منصاته الثقافية، دليله في هذا أن يصحبنا في نزهة منطوقها "في هذه النزهه تجردت من الشاعر الذي أتوهمني، فانا لستُ من الباحثين الأكاديميين، ولا أريد أن أكون، ما كتبتهُ سرداً لا أجرده من الشعرية، وما أكتبهُ لا أقيده بمنهج علمي معين.. قراءتي تغترفُ من خبرتي في الحياة والكتب " ص12.
المنصة الأولى كانت كتاب (الأخلاق في عصر الحداثة) للمفكر البولندي زيغمونت باومان، ومساءلة المؤلف لمجمل الأفكار التي طرحها المفكر باومان، والتي تصب جميعها في مواجهتنا كذوات لهذا العالم المتغير في حداثته السائلة. حتى أن المفكر باومان لا يقترح حلولاً تنقذنا من متاهة عالمنا الذي استحال إلى حكايات منفصلة .
المنصة الثانية جاءت تحت عنوان (آميل سيوران.. التخصص في العواء وحياكة الجليد)، إذ يرى المؤلف أن سيوران "هو وريث شرعي لفلسفة نيتشة، يغرس ريشته في محبرة نيتشة ليرسم قلبه هو لا قلب نيتشة، فهو يفكر بتوقيت نبضات قلبه هو، فثمة مختلف بكثافة فاصلة ". إذ يبقى سيوران يشعرن سرود فلسفته ويموسقها سوداويته، ويضخ فيها الكثيرمن إشراقات البهجة، يلتقط الجوهر ويصوغه شذرات ويغرس الشذرات مصوغات ذهبية".
( أفلاطون ..بعيداً عن كهفهِ) عنوان المنصة الثالثة، حيث يذهب المؤلف مقداد مسعود لجذور الفلسفة الإفلاطونية ومكوناتها وكشف المضمر فيها، من هنا كان نتاج إفلاطون كله يتأطرُ ب "صدمة الألم" على موت المعلم سقراط! لذا حاول (الكشف عن الطرق التي تتيح للحكام أن يسيروا نحو نظام اكثر هجساً بالعدالة ونحو مجتمع يستطيع فيه سقراط أن يعيش وأن يعبربحرية).
وتتتابع سرود المؤلف ملاحقا الأفكار والفلسفات ليتوقف عند الفيلسوف الألماني "هيغل" عبر القول (إن هيغل ليس محض فيلسوف عابر في عقل أوروبا وقد اكتملت الميتافيزيقيا  الغربية بسماتها الكليانية. لم يجمع هيغل فلسفته كقطع غيار من سواه، وما قام به هو ترابط عضوي منذ بداية نشأة الفلسفة صعوداً إلى قمتها الميتافيزيقية).
وللفيلسوف "بول ريكور" وقفة في متن الكتاب عبر مدخله العريض (أن الفيلسوف بول ريكور وفي كل كتاباته يدعو القارئ إلى مأدبة فلسفية عامرة وللقارئ الحق في الرفض أو الاختيار).
ليفيض المؤلف مسعود عبر المرجعيات الثقافية للفيلسوف المعاصرعبر هذا المنطوق (أن ريكورتميز بثقافة مزدوجة ــ توراتية ــ اغريقية ــ وسمت كتاباته الأولى بسمة دينية باطنية ترنو لبلوغ تأمل ذاتي يجعل من الافلاطونية المسيحية عنوانه الأبرز.
المنصة الأخيرة في الكتاب تحت عنوان (كناية الديالكتيك)، وفيها مناقشات مستفيضة من لدن المؤلف لجملة أفكار فلاسفة في النظرالى العصر الحديث، وانعكاس هذه الفلسفات على المجتمعات التي حلت فيها، وبالتالي فإنه (اذا كانت الفلسفات قد صاغت العالم سؤالاً يبحث عن إجابة؟
فإن جهودها العظمى اكتفت بتفسيرالعالم وتكرار إنتاجية التفسير بأسهاب).