أغانٍ انبثقت من مواقف مرَّ بها الشعراء

ثقافة 2024/02/14
...

 سامر المشعل 

هنالك أسرار تكتنف ولادة النص الغنائي لا يدرك كنهها، حتى الشعراء انفسهم، فأحيانا تأتي الولادة ميسرة وبوقت قصير، وأحياناً تكون متعسرة وتستغرق وقتا طويلا. سنتطرق إلى بعض النماذج من الاغاني الكبيرة التي ظلت عالقة في ذاكرة ووجدان المستمعين.

ولدت اطول أغنية عراقية وهي " لا ياصديقي" بالمصادفة، فبينما كان الفنان كاظم الساهر بمؤتمر صحفي، وكان وقت ذاك الموسيقار محمد عبد الوهاب، قد أطلق رائعته "من غير ليه"، وهي أغنية طويلة ظهرت في زمن تقلصت فيه الاغنية، وأصبحت لا تتجاوز الخمس دقائق. صرح الساهر بانه يعمل مع الشاعر عزيز الرسام، ليقدم أغنية طويلة مدتها ساعة كاملة.  ويبدو ان هذه الاغنية كانت بمثابة أحد احلام اليقظة التي برقت في مخيلة الساهر وقتذاك. يقول الشاعر عزيز الرسام بعد أيام، سألني الساهر، هل بدأت بكتابة الاغنية؟ قلت له: لا. وظلَّ عزيز لمدة ستة اشهر يحاول كتابتها ولا يستطيع إلى ذلك سبيلا.

ويذكر الرسام كيف لي أن أكتب أغنية مدتها ساعة، وعن أي شيء أكتب ؟ والساهر يلح علي بكتابتها. وفي احد الايام اصطحبني الساهر معه بحفل في منطقة المسبح، فبقيت بالحديقة انتظره، فبدأت في كتابة مطلع الاغنية فقط. 

وعندما انتهى الساهر من الحفل، أخبرته بأني كتبت مطلع الاغنية ودفعتها له.. فقرأ " فات الاوان لا تحذر.. شيفيد بعد التحذير.. اني اعثرت باول حجر.. والعثرة عثرة بنص بير".

قال الساهر" خلاص اذهب تعارك مع زوجتك، وانا سأذهب اتعارك مع زوجتي، وسوف احجز في فندق المنصور، لنكمل الاغنية"، واخذت أكتب ثم نعدل عليها، والساهر يلحن ويبحر مع كل مقطع شعري، وعندما انتهى من تلحين" لا ياكلبي لا تستغرب كلشي تشوف العيون.. كلشي بهالزمن جائز.. وكلشي ممكن يكون.. عدوك يرحم بحالك.. وأعز احبابك يخون"، خلع الساهر قميصه وراح يرقص من شدة الفرح.

بهذه الاجواء ظهرت " لا يا صديقي " لتكون علامة فارقة في تجربة الساهر والغناء العراقي والعربي.  

اما أغنية "ست الحبايب"، فولدت من رحم عاطفة الحب للأم بصدق وعفوية، فقد صعد الشاعر حسين السيد البناية التي تسكن فيها والدته، وعندما همَّ بطرق باب الشقة، تذكر أن ثاني يوم يصادف عيد الأم، وقد نسيَّ أن يجلب هدية لامه، ولم يكن بمقدوره أن ينزل مرة ثانية ليشتري هدية، فسلم على والدته وقبل يدها وراح يكتب أغنية " ست الحبايب" أسمع الاغنية لوالدته، فقالت كلام حلو، فقال حسين السيد: هذه الاغنية هدية لك بمناسبة عيد الأم ويوم غد ستسمعينها من الاذاعة.

رفع السيد سماعة الهاتف واتصل بالملحن محمد عبد الوهاب، وقال له" بكرى عيد الام، وليست هناك أغنية بهذه المناسبة، وانا كتبت شيئا عن الأم، قال سمعني، تأثر عبد الوهاب بالكلام، وراح على الفور يلحن الاغنية" ثمَّ اتصل بالمطربة فائزة أحمد ان تذهب إلى الاذاعة، حفظها اللحن وسجلت الاغنية مع الفرقة خلال يوم واحد، وفي اليوم التالي ظهرت اغنية " ست الحبايب " لتكون أجمل هدية ليست لوالدة الشاعر حسين السيد وحسب، انما هي ترنيمة لكل الامهات على مدى العصور. اما اغنية "يكولون غني بفرح"، التي كتبها الشاعر المتمرد جبار الغزي ولحنها محسن فرحان وغناها المطرب قحطان العطار، فهي تحمل في ثناياها بعدًا سياسيا ولونًا من الاحتجاج المبطن.

انبثقت هذه الاغنية عندما اجتمع مدير عام الاذاعة والتلفزيون للنظام السابق محمد سعيد الصحاف بالعاملين في قطاع الغناء، وعاب على الحاضرين الإغراق في الحزن، وطالبهم بأغانٍ تتسم بالفرح والتفاؤل، وتمنح الناس الأمل، وهناك الكثير من المنجزات التي حققتها الثورة ممكن الالتفات اليها.. يقول الملحن محسن فرحان، رأيت الشاعر جبار الغزي يخرج قلما ويكتب، فعرفت أن هناك أغنية ستولد، وبعد انفضاض الاجتماع، قلت له ماذا تكتب؟ فقرأ 

لي: 

"يكولون غني بفرح

وانه الهموم غناي

بهيمه زرعوني وامشوا

وعزو عليه الماي"

وعندما عبرنا جسر السنك مشيًّا على الاقدام أكمل الاغنية بحسب حديث الملحن الكبير محسن فرحان، ويقول أثناء عودتي إلى بيتنا في كربلاء، وأنا أسوق السيارة لحنت الأغنية. 

في أول الأمر كانت أغنية " يكولون غني بفرح" للفنان حسين نعمة، الذي سجّلها بصوته، لكنه تأخر بتصويرها، ما دعا الملحن محسن فرحان أن يعطيها إلى الفنان قحطان العطار، وظهرت الأغنية بأول ايام عيد الاضحى في سبعينيات القرن الماضي، لتنتشر بقوة بين أوساط الشباب وما زالت تسمع إلى الآن.