أم سميرة المنزعجة

الصفحة الاخيرة 2024/02/20
...

مفيد عباس



أم سميرة المنزعجة.. سيدة قلمطوزية (من محلة القلمطوزة في مدينة الحرية) مذ كانت البيوت شرقيَّة، أبوابها خشبيَّة، والعشاء بيتنجان وطماطة مقلية.

 لُقّبت بالمنزعجة لكثرة انزعاجها وتذمرها وشكواها من كل شيء حولها، إبتداءً من أبو سميرة وليس انتهاءً بالحمامة التي تزور أعمدة الكهرباء وأسيجة السطوح في صباحات الصيف لتردد نشيد الفخاتي العتيد: كوكوختي.. وين أختي.. بالحلة.. وشتاكل؟

باگلا.. وشتشرب؟

مي الله.

في يوم من الأيام، كنا.. أنا وأصدقائي، نلعب كرة القدم النايلونيَّة، فالكرة كانت نايلون (أم السبعين فلس) منتعلين (أبو الإصبع) ولكي لايطير أثناء ضرب الكرة نربط جهتيه بلاستيكة (تچّة رفيعة أم المتر بخمس فلوس) حتى تلزم رجلينا من الخلف والنعال بهاي الحالة راح يتحول الى صندل لاستيك تحوير محلي، ونكون قد ضمنّا عدم مرافقته للكرة وهي متوجهة إلى الهدف.

في هذا اليوم المشؤوم، فاتت أم سميرة المنزعجة، وهي كانت في حينها تتوسط العشرينيات، إلا أنّنا نراها امرأة كبيرة ونحن لم نبلغ العشرة أعوام، وحتى يكمل شؤم ذاك اليوم، وانزعاجها يصل لذروته، ولسوء حظي، ضربت الطوبة، وانگطعت التچة، وطار النعال، والنعال عاف الكرة الأرضية كلها، والبشر العايشين عالكرة الأرضية كلهم، لا سيما القلمطوزيين منهم، ووگع على رأس أم سميرة المنزعجة، وصورة طبعة النعال على عباءتها، من جهة الرأس، ما زالت محفورة في ذاكرتي وذاكرة أصدقائي وأهلي وعشيرتي، فاستدارت وعرفت مصدر النعال الطائر، وغمتني وراحت لأمي تشكيني وفعلتي.. أمي أطال الله عمرها، قدمت لها اعتذاراً رسميَّاً بالنيابة عني وعن آبائي وأجدادي.

تمر السنوات، وأم سميرة المنزعجة كلما تشوفني تغمني، إذا كنت وحدي أو مع أصدقائي، وإحنا ناخذها بالضحك، لأننا نعلم أن انزعاج أم سميرة وراثي.. جيني، وحتى الـ (دي أن أي) مالتها منزعج، ونتذكر حادثة النعال الطائر ونضحك أكثر.

اليوم الصبح، وبيدي علاگة الصمون ورايح أجيب ألبان من أبو نبيل للريوك، شفت أم سميرة المنزعجة، كبرانة خطيَّة، سلّمت عليها: 

- شلونچ خالة أم سميرة 

- هلا خالة.. أنت منو؟

- آني مفيد عباس.

- وآني شمعرفني باسم أبوك.. 

- آني مفيد ابن أم وليد.

- ها.. دگول هيچي من الأول.. أُهمّداك.