قل كلمتك وامش

الصفحة الاخيرة 2024/03/03
...

محمد غازي الأخرس
أجل، قل كلمتك وامش، شعار ما كنت لأحير في تفسيره لولا قراءتي لرأي هادي العلوي حوله. 

ولكنْ دعوا تفسير العلوي الآن، وتعالوا للمعنى الشائع للعبارة، وهو أنّ على المثقف قول كلمته والمضي بعدها في سبيله غير قلقٍ من تأثيرها، أو من نتيجتها. 

قد تنتهي الكلمة بقتل صاحبها كما جرى كثيراً في تاريخ المثقفين، وقد تنتهي بأنْ تنتج تأثيراً يعاكس ما قيلت من أجله، ولربما لا تفعل الكلمة أيّ شيء، فكأنها لم تقل أو تكتب. 

هكذا شاع بيننا منذ أنْ وضعها اللبناني كامل مروة، مؤسس ورئيس تحرير جريدة (الحياة)، كعنوانٍ لنافذته اليومية، قل كلمتك وامش، والتي دفع حياته ثمناً لها حين اغتيل عام 1966 في مكتبه بالجريدة. 

كان عرف الرجل بعدائه للديكتاتوريات العسكرية في العالم العربي وعلى رأسها نظام جمال عبد الناصر، لا سيما بعد دخوله اليمن.

لهذا اتهم كامل مروة بالرجعية وانتهى به المطاف برصاص رجل مصري أرسلته المخابرات المصرية حينها.

المهم أنَّ عنوان نافذة مروة في الصحيفة تحول إلى شعارٍ يشير إلى ثمن الكلمة الذي قد يكون باهظاً.

قبل ذلك، أنهى الشاعر أدونيس قصيدته (أوراق في الريح) في ديوانه بالاسم نفسه بعبارة: عش ألقاً وابتكر قصيدة وأمض، زد سعة الأرض، وأرّخ القصيدة بين عامي 1955 ـ 1957.

هكذا فهم الشعار بمعناه الشائع؛ "القول" استراتيجية فاعلة تبرر وجود المثقف في العالم. مجرد الكتابة أو القول فعل بغض النظر عن أثرهما المتوقع. بخلاف ذلك، يكون الصمت والانزواء وغياب الأثر. 

كيف فسّر هادي العلوي الشعار إذن ليكون مناقضاً لهذا المعنى المأثور؟ فسّره كالآتي: إنَّ عبارة "قل كلمتك وأمش"، تعني في الجوهر أنه ليس على المثقفين سوى أنْ يقولوا كلمتهم ويتركوها للقارئ من غير أنْ يتحملوا مسؤوليتها. 

ما عليهم سوى القول، هذه وظيفتهم كمثقفين. 

يبني الراحل العلوي فكرته هذه وفقاً لما يتسم به المثقفون من رخاوة وروح برجوازية، كما يصفهم. 

الثقافة العربية برأيه هذه صفتها وهويتها، إنها لا تفرّق بين فكر رسمي وفكر معارض، بل "تخدم الجميع على السواء".

بالنتيجة، يتكالب المثقفون العرب على الامتيازات، لأنّهم "مأخوذون بالخساسات الثلاث؛ المال والجنس والجاه، ويجعلونها من صميم العمل الثقافي". 

هذا هو السبب في ضعف تأثيرهم في المجتمع كما يقول العلوي، وهذه هي علّة عدم احترام الحكومات لهم في الوقت نفسه. 

إنهم مجرد قوّالين يقولون كلمتهم ويمضون، وظيفتهم هي هذه؛ قول بلا فعل. هذا ما يراه العلوي، فهل أصاب في تأويله؟