قراءة في وقائع مهرجان شهاب الدولي الأول لفن الحكاية

ثقافة 2024/03/06
...

 د. حبيب ظاهر حبيب

تقديم : تعد الحكاية أقدم الأنواع الأدبية التي عرفتها الشعوب ويتم تداولها شفهياً ، الحكاية نوع أدبي قوامه سرد الأحداث ووصف الشخصيات ، وتتطلب وجود شخصية السارد/ الراوي ، وتتضمن بعض الأنواع الأدبية (حكاية) وخير مثال (المسرحية).
أما فن الحكاية بمعناه الدرامي فهو من أشكال الفرجة يقدم فيه (الحكواتي) - بالصوت والإلقاء - حكاية متسلسلة الأحداث ويوضح أفعال وأقوال الشخصيات ، وذلك يتطلب وجود مكان للحكواتي يجعله محطَّ نظر وتركيز المتفرجين. وعرف العرب (الحكواتي) وسمته بعض الشعوب بــ (القصخون) وكان يستقي حكاياته من التراث والتاريخ ، يستقيها من بعض الكتب مثل (ألف ليلة وليلة).
هل بقي فن الحكواتي (القصخون) على النسق القديم أم ثمة تجديد وإضافات خاضت العروض تجربتها؟ لا يوجد فن يبقى على صورةٍ ثابتة لزمن طويل، لأن ذائقة المتلقي متحركة ومتغيرة بحسب معطيات العصر وتطورات التكنولوجيا، ذائقة المتلقي وتوجهاته في مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين تختلف عن ذائقة وتوجهات المتلقي قبل عشرسنوات أو أكثر، فقد:
• كان فن الحكاية مقتصراً على الرجال واليوم دخلت المرأة هذا المجال.
• كان يقدم في المقاهي والدواوين ، ويقدم اليوم على خشبة المسرح.
• كان الحكواتي مكتفياً بأدائه الصوتي ، واليوم يستعين الحكواتي بأدوات واكسسوارات ودمى.
لقد أضيفت لفن الحكواتي عناصر درامية وجمالية جعلته أكثر قبولاً لدى المتلقِّي المعاصر طفلاً كان أم راشداً.
وقائع المهرجان:
أقامت مؤسسة الهدى لثقافة الأطفال والناشئين بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح مهرجان شهاب الدولي الأول لفن الحكاية من 20 - 22/ شباط- 2024 على قاعة مسرح الرشيد في بغداد ، بإدارة وتنظيم الأستاذ حسين علي صالح والشاعر جليل خزعل. ثمة التفاتة رائعة في حفل افتتاح المهرجان وهي تكريم أحد رواد الحركة الفنية في العراق، وهو الفنان (عزيز كريم) الذي أسهم بأعمال درامية مهمة في المسرح والتلفزيون والإذاعة ، وقدم برنامج حكايات في التلفزيون.
استمر المهرجان ثلاثة أيام ، وهو المهرجان الأول من نوعه في العراق، اجتمع الحكواتيين من تسع دول : فرنسا: نعيمة محايلية - عُمان: ميثاء المنذرية - تونس: رائدة قرمازي - السعودية: فاطمة عبدالله الحاجي - الجزائر: ماحي صديق - إيران: بتول كيميائي - لبنان: سارة قصير - فلسطين: حمزة العقرباوي - ومن العراق: حسين علي هارف ولقاء الجبوري و علي جابر الطائي وإستبرق محمد.
عينة من العروض (ستة نماذج)
قدم (ماحي صديق) حكايته باللهجة الجزائرية مع الاستعانة ببعض المفردات باللهجة العراقية بقصد إفهام المتلقي الصغير وتيسير التواصل معه، محور الحكاية الصياد (المانع) ووقوفه مع (غزة) وحمايتها من براثن الاحتلال، اختلط في الحكاية شيء من الخيال وشيء من الحقيقة ، امتزج مع الإلقاء شيء من الغناء، مع الحرص على مشاركة الجمهور بترديد بعض الحوارات (مثل الصلاة على الرسول).
قدمت (بتول كيمائي) الحكاية باللغة العربية وليست بالفارسية ، تدور أحداث حكايتها حول الفيل الكبير الطاغي يسحق البيض والعصافير الصغار، وفشلت محاولات إقناع الفيل بتغيير مساره ، تعاون العصافير والأصدقاء وتمكنوا من إسقاط الفيل في حفرة كبيرة، وهؤلاء العصافير وأصدقائهم يشبهون أطفال غزة ويجب أن يتعاون الجميع معهم ليتخلصوا من الفيل المحتل، لم تستعن الحكواتية بغير تعبير الصوت وتنوع الإلقاء في إيصال مغزى حكايتها.
ذهبت الحكواتية العمانية (ميثاء المنذرية) إلى اللغة العربية الفصحى المبسطة في مخاطبة المتلقي الصغير. خلاصة حكايتها: وجد نحات فانوساً سحرياً وحالماً فركه خرج منه مارد يعمل على تحقيق الأمنيات، طلب منه النحات أن يكون أقوى شيء في العالم مثل الشمس حارقة، ثم سحابة تسقط مطراً غزيراً، وحينها غنت الحكواتية بمشاركة الأطفال أغنية من التراث العماني عن المطر، وبعدها تحول إلى هواء فطغى وصار اعصار، وأخيرا تحول النحات إلى جبل لأنه الأقوى ولكنه وجد أن إنساناً ينحت فيه ويفتت صخوره، فطلب من المارد إرجاعه إلى صورته الأولى وهي الإنسان لأنه الأقوى، في نهاية الحكاية خاطبت الأطفال:  أيها الناس اقنعوا بما لديكم ، انتم الأقوى، لا تعتمدوا على الفوانيس ، ادعوا ربكم.
استهلت الحكواتية (نعيمة محايلية) دخولها إلى المسرح بأغنية باللهجة المحلية (حاملين حكايات لحبايب قلبي) ترتدي زياً شعبياً بألوان زاهية مع شال فرشته على الاأرض، وبدأت حكايتها بالمستهل التقليدي للحكواتي (كان يا ما كان …) وروت حكاية خالتها (يرما) الحطابة وابنها بهلول الثرثار، في أحد أيام الاحتطاب في الغابة ، وجد بهلول صندوقاً ونادى على أمه لترى الصندوق وتفتحه - بحركة إيمائية - لتجد كنزاً ثميناً يخلصها من الفقر، ولكن قانون القرية يمنعها من التمتع بالكنز، لأن كل شيء يوجد في أي مكان يكون ملك رجال القرية، فكرت (يرما) وقررت أخذ الكنز، وقبل أن تنقل الكنز إلى بيتها أعدت أرغفة مغمَّسة بالعسل، حملت الصندوق ووضعته تحت الحطب لكي لا يراه أحد، أوصت ابنها بهلول بعدم قول شيء عن الكنز لأي أحد، وفي الطريق إلى الكوخ كانت ترمي الأرغفة على بهلول، وتخبره أن السماء أمطرت أرغفة خبز بالعسل، وبمجرد وصولهم أفشى بهلول سر الكنز في القرية، حضر رجال القرية إلى كوخ (يرما) وطلبوا الكنز، نادت يرما على بهلول وسألته: ماذا أخبرت الناس يا بهلول؟ أجابها: وجدنا كنزاً وكانت السماء تمطر أرغفة بالعسل. قالت (يرما) للرجال: أتصدقون أن السماء تمطر أرغفة بالعسل، قالوا كلا، أجابتهم: إذن كيف تصدقون أننا وجدنا كنزاً؟ يا رجال، إن ابني ثرثار، رجع الرجال خائبين، أما (يرما) فأخذت الكنز وولدها فجراً، ورحلت عن القرية إلى مدينة جميلة مثل بغداد وعاشت بسعادة. عملت (نعيمة محايلية) على محاكاة أصوات شخصيات حكايتها، وصورت الوصف بإلقائها المعبر.
ربط (علي جابر الطائي) بين العراق وفلسطين عبر حكاية تاريخية، استقدم خلالها شخصية (البطل كلكامش) ملك اوروك - شارك جمهور الأطفال مع الحكواتي منذ بداية الحكاية بهتاف (الملك الملك يعيش الملك) فقد استنجد الناس في بلاد الشام لإنقاذهم من الوحش (خمبابا) وفعلاً قتل البطل كلكامش الوحش ووجد بالقرب منه طفلاً، غرس غصن زيتون بجانب الطفل وأوصاه: (تمسك بأرضك كما تتمسك أشجار الزيتون في الأرض) وبعد آلاف السنين، عاد أحفاد خمبابا إلى أرض فلسطين وتفاجؤوا بأن الطفل الصغير أصبح أمة وأن شجرة الزيتون أصبحت حقولاً، وختمت الحكاية بهتاف (تعيش تعيش فلسطين) رفعه الأطفال مع الحكواتي بصوت قوي.
خاتمة المهرجان كانت من نصيب الحكواتي (حسين علي هارف) وعلى رأسه الـ (سدارة) البغدادية وعلى كتفيه العباءة العراقية، وإلى جانبه ظهرت (دميتان) في إطار بيت الدمى صنعها وحركها (علي جواد الركابي) و (خلدون كشكول) عرض حكاية (سلوان الفنان) الذي يهوى الفنون الرسم والخط والتمثيل العزف والنحت وأهم هواياته قراءة الكتب، وكل هواية لها فوائد على المستوى  الفكري والجمالي ، وذلك بأداء مشوق أثار جمهور الأطفال وحفَّزهم على المشاركة ، وتحول العرض إلى متعة كبيرة عندما تجول الحكواتي بين الجمهور، استمر الحكواتي بطرح أسئلة على الأطفال وتنافسوا للإجابة عنها بصورة احتفالية.
 مؤشرات
قدمت بعض العروض باللغة العربية الفصحى المبسَّطة وبعضها باللهجة المحلية ، وتنوعت عروض المهرجان ، بحسب تنوع موضوعات الحكايات وبحسب تركيز الحكواتي على عدد من عناصر هذا الفن الدرامي دون غيرها ، مع الأخذ بالاعتبار أن العنصر الأساسي لكل ما يقدم هو الحكاية ، ومن البديهي أن الحكاية تقوم على السرد ، لذا يصح تعريف فن الحكاية بأنه فن السرد الدرامي، مع إنشاء مقاربة تقول: كلما زادت العناصر الدرامية في فن الحكاية من حيث البنية (بداية - حدث صاعد - صراع - حدث نازل - نهاية) مع استخدام الأزياء الخاصة والاكسسوار والإضاءة  اقترب هذا الفن  من عروض المونودراما.
1. تراوح زمن العروض بين عشر إلى عشرين دقيقة تقريباً.
2. جميع الحكايات التي قدمت كانت مشوِّقة مع التباين في قدرة الحكواتي على صناعة التوترات بالتعبير الجسدي والإلقاء من خلال تغيير الأصوات بحسب الشخصيات، التلوين الصوتي والتعبير المتنوع واستخدام التنغيم والغناء.
3. استخدم الحكواتيون منطقة وسط وسط الخشبة وأسفل وسط الخشبة غالباً، مع التحرك يميناً ويساراً، والعودة إلى الاستقرار في أسفل الوسط.
4. ضعف حضور عنصر الكوميديا وحس الفكاهة في معظم الحكايات.
5. استخدام بعض الحكواتيين اكسسوارات والعمل على تغييرات المظهر.
6. عمل الحكواتيون على إنشاء خطوط التواصل مع المتلقي وحثِّه على المشاركة بترديد جمل محددة، وإدامة تركيز المتلقي الطفل مع الأداء من خلال الحركة والإيماءة، وقد استثمر الحكواتيون عنصر التكرار لبعض الجمل والحوارات والإشارة إلى الجمهور لإعادتها معهم لتحقيق غايتين:
الأولى : الإبقاء على خط التواصل بين الحكواتي والجمهور.
الثانية: تأكيد الجمل والحوارات وتثبيتها في ذاكرة المتلقي الصغير.

حقق المهرجان ثلاثة أهداف :
1. إحياء فن الحكواتي وتعريف الجمهور العراقي به لا سيما الأطفال.
2. اطلاع الطفل العراقي - وعموم الجمهور الحاضر- على حكايات متنوعة من ثقافات من الدول المشاركة.
3. الموضوعة المحورية للمهرجان هي نصرة الشعب الفلسطيني في غزة ودعمهم من خلال فن الحكواتي وبالنتيجة ترسيخ هذه الفكرة في مدركات الأطفال.