عند قبر بورخس

ثقافة 2024/03/06
...

روبرتو بولانو*

ترجمة: نجاح الجبيلي

 أبحثُ في جنيف عن المقبرة التي دفن فيها بورخس. إنه صباح خريفي بارد، على الرغم من أن هناك لمحة من الشمس في الشرق، وبعض الأشعة التي تبهج مواطني جنيف، وهم شعب عنيد ذو تقاليد ديمقراطية عظيمة. إن “بلين بلي”، المقبرة التي دفن فيها بورخيس، هي المقبرة المثالية: المكان الذي يمكنك القدوم إليه بعد ظهر كل يوم لقراءة كتاب، والجلوس أمام قبر أحد وزراء الحكومة. إنها حقاً أشبه بمنتزه أكثر من كونها مقبرة، حديقة مشذبة جدّا، يتم الاعتناء بها جيدًا في كل مساحتها. حين سألتُ الحارس عن قبر بورخيس، نظر إلى الأرض، وهزَّ رأسه، وأخبرني كيفية العثور عليه، ولم يضيّع أي كلمة. لا توجد طريقة لكي تضيع. ومن الواضح مما يقوله أن الزوار يأتون ويذهبون دائماً. لكن المقبرة فارغة هذا الصباح. وعندما وصلتُ أخيرا إلى قبر بورخيس لم يكن هناك أحد في مكان قريب. أفكر في كالديرون [شاعر ومسرحي إسباني]، أفكر في الرومانسيين الإنجليز والألمان، أفكر في مدى غرابة الحياة، أو أحياناً: لا أفكر بأي شيء على الإطلاق. أنظرُ إلى القبر فقط، الحجر المنقوش عليه اسم خورخي لويس بورخيس، وتاريخ ميلاده، وتاريخ وفاته، وبيت من الشعر الإنجليزي القديم. ثم أجلسُ على مقعد مواجه للقبر وينبري الغراب في النعيق، على بعد خطوات قليلة مني. الغراب! وكأنني بدلاً من أن أكون موجوداً في جنيف كنت في داخل قصيدة لأدغار آلان بو [شاعر أمريكي].
عندها فقط أدركتُ أن المقبرة مليئة بالغربان، الغربان السود الكبيرة التي تقفز على شواهد القبور أو بين أغصان الأشجار القديمة أو تجري عبر العشب المشذب في مقبرة “بلين بلي”. ثم أشعر برغبة في المشي، والنظر إلى المزيد من القبور، وربما إذا كنت محظوظًا سأجد قبر كالفين [مصلح بروتستانتي]، وهذا ما أفعله. أشعر بعدم الارتياح أكثر فأكثر، بسبب الغربان التي تتبعني، وتظل دائماً داخل حدود المقبرة. على الرغم من أنني أفترض أن واحداً منها يطير من حين لآخر ويسير للوقوف على ضفاف نهر الرون أو ضفة البحيرة ليشاهد البجع والبط، بنظرات ازدراء طبعاً.
________
*كاتب تشيلي (1953 - 2003)، روائي وشاعر وكاتب مقالات. حائز على جائزة رومولو خاليخوس عن روايته “المخبرون الوحوش”.