محمد الحفري: نحن بحاجة لحكائية الشعر والاغنية
هويدا محمد مصطفى
تميزت فضاءات محمد الحفري الذي لديه أربعين إصدارا بنسيج لغوي ارتبط بحدود تاريخيَّة وفلسفة وجودية.. هذا السوري الذي كتب في المسرح والرواية والقصة، فضلا عن الدراما والإخراج أطلق عليه حاصد الجوائز الذي طرح أسئلته عبر تأملات وأفكار نقل من خلالها جمالية التأثير التي تعد من أهم مكونات السردية في عباءة من نصوص وتحولات زمنية تعتمد على خطاب تتجدد رؤاه ومشاهده مع المحيط البشري.
*محمد الحفري مسرحي وروائي ولديك تجربة بكل أنواع الأدب، فكيف تقدم نفسك للقارئ؟
ـ أحب أن أقدم نفسي على أنني ذلك الإنسان الذي يملك قلباً مفتوحاً على المحبة لجميع البشر، ولا أبالغ لو قلت إنه مشرع حتى على الذين يكرهونني، وربما اتمنى لو أنني أعود ذلك الطفل الذي كان يتعلق بشرش والدته وهي تقف على الشفا الشمالي لوادي الرقاد وتنتظر عودة أشقائي من الجهة المقابلة، وليتني تحولت في ذلك الزمن إلى دمعة من دمعاتها، علني أخفف عنها ولو ذرة واحدة من ألم الفقد الذي تجرعته، وذلك الطفل الرهيف والحساس والرقيق الذي جئت على سيرته والذي قد يبكي لأي موقف عاطفي أكاد أجزم أنني حافظت عليه حتى هذه اللحظة .
لم أرغب في أي وقت بتقديم نفسي على غير تلك الصفة، لكنهم في الأوساط الأدبية يطلقون عليّ لقب صائد الجوائز لأنني حاصل على عشرين جائزة محلية وعربية ولدي أربعين عملاً مطبوعاً إضافة إلى كثير من الكتابات المنشورة في الدوريات العربية والمحلية والأعمال التي قدمتها كمخرج على خشبة المسرح ويطلق عليّ بعضهم لقب الشهيد الحي لأنني نجوت من الموت بعد فقدي لكعب قدمي وإصابتي بعدد من الكسور والحزن الذي سطا على روحي نتيجة فراق الأصدقاء الأعزة وهناك الكثير من أصحاب المواهب يطلقون عليّ لقب صاحب الظل الطويل لأنني أتعامل معهم بمحبة واحترام
وتقدير.
*هل كتابة النص المسرحي ترتبط بالواقع، وبمثابة توثيق للحدث؟
ـ هناك الكثير من الأعمال المسرحية التي ترتبط بالواقع وتفيد منه بشكل كبير، كما أن هناك أعمالا تجنح نحو الخيال والافتراض، وبعضها يمازج بين الحالتين، والتوثيق قد يكون بالعمل على الاشتغال على حادثة تاريخية أو تناول شخصية من شخصياته، لكنها بطبيعة الحال يجب أن لا تقدم كما كانت، لأن المسرح يجب أن يقدم ما يحدث الآن، وهذا يهدف إلى بعث الحيوية في المسرح وجعله راهناً ومعاصراً وحيوياً بعيداً عن الخشبية والسطحية والملل، وهذا الكلام يأتي بمعنى أن من مهام المسرح الأساس هي الإسقاط على الواقع الراهن ومحاكاته حتى لو كانت تلك الواقعة قد حدثت قبل ألف عام .
*ما العلاقة بين الرواية والنص المسرحي والقصة القصيرة، وهل هناك أدوات خاصة بهذه الكتابات؟
ـ العلاقة هي وجود الحكاية التي تعد أس الأسس في جميع الأجناس الأدبية وتنطوي تحت سطوتها الأعمال الدرامية ومنها المسرح والسينما وغيرها ومهما تقدمنا بالتقنيات وبلغت أقصى تطوراتها، فهي لن تفيدنا بشيء إذا لم نملك الحكاية التي نستطيع تطويرها وتطويعها نحو المسرح أو القصة أو الرواية، وأحسب أننا بحاجة لها أو شيء من الحكائية على مستوى الشعر والأغنية.
نشبه الرواية دائماً بالشجرة الوارفة المتشعبة وكثيرة الأغصان وهذا بمعناه المادي أو المقابل والمعادل يعني مجموعة الحكايات التي تحملها تلك الشجرة وضمن هذا المعيار أو المقياس تصبح القصة مثل فرع أو غصن واحد من تلك الشجرة، وقد يكون ذلك الغصن منفرداً وليس من الضرورة أن يكون تابعاً لتلك الشجرة والمسرح ربما يندرج في المضمار ذاته حين يقنم تلك الشجرة ويكثفها ويقسمها إلى مشهديات تلبي برشاقة متطلبات الخشبة وتقنياتها.
*ماذا عن أدب الطفل، والهدف الذي تسعى لتحقيقه ؟
-في الحقيقة أن الكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابات، وأن اعتقد بعضهم أنها غير ذلك، وهذه الكتابة كما نجزم لا يجيدها إلا من يمتلك الحس العالي والرهافة الكبيرة وقد تكمن صعوبتها في القدرة على المتابعة والاستمرارية وهي تعتمد على أمرين هما المتعة والفائدة مع الحرص على التشويق والرشاقة لأن الطفل يحتاج من يثير انتباهه ويشده إلى النص وإلا سيتركه ويذهب إلى غيره.
وبالنسبة للهدف الذي تسعى لتحقيقه، فأنا من الذين يحرصون في كتابتهم على تقديم المتعة قبل كل شيء، وقد تأتي الفائدة ثانياً أو ثالثاً وأسعى دائماً أن تكون بعيدة عن الوعظ والإرشاد، وأن تكون غير مباشرة.
*كيف ترى واقع المسرح في سورية بشكل خاص، وفي العالم العربي بشكل عام؟
ـ المسرح في سورية ليس على ما يرام وخاصة في السنوات الأخيرة، وأقصد سنوات الحرب والمحنة وضنك المعيشة وربما يكون حاله في بعض الدول العربية كالعراق مثلاً أفضل بكثير من حاله في سورية، وقد نحكم على وضعه عموماً بأنه مازال فوق التردي بقليل، ومازال هناك مهرجانات تقام للمسرح كمهرجان بغداد المسرحي في الآونة الأخيرة، ويمكن الجزم الممتزج مع بصيص من الأمل بالعودة إلى ما كان عليه في السابق، لأن هناك من يذكر المسرح ويتذكره، وكلامي يعني في المحصلة أن وضع المسرح يزداد سوءاً وخاصة في سورية.
*ما علاقة المسرح بالناس، وهل هناك أدوات منهجية حديثة لتطويرعمله بشكل عام؟
ـ علاقة تماس مباشر، فيها تلك الحميمية والحرارة المشتعلة والأرواح المتعالقة في حالة وجدانية تشبه البوح الشفيف لعاشق لا تفصله عن شفاه الحبيبة سوى مسافة القبلة فقط ، والممثل المسرحي يشبه ذلك الخبير العالق وسط حقل من الألغام بمعنى أن غلطته الأولى هي الغلطة الأخيرة ، أما عن أدوات تطوير المسرح فقد اختصرها بكلمة الحرية التي كلما ازدادت مساحتها أو لنقل هوامشها كلما ازداد تطور المسرح وتألقه، لأن كلمة المسرح تعني الحرية في واحدة من معانيها.
* ما المواضيع التي تحاول أن تعالجها من خلال الأدب؟
-لم التزم يوماً بنهج معين في كتابتي وقد تطرقت في مؤلفاتي الأولى لموضوعات البيئة المحلية التي تفردت فيها، كما طرقت باب السياسة برشاقة وأسلوب مغاير وفي السنوات الأخيرة، كانت المرأة والحب هاجساً مهماً لتفكيري، ولعلي من خلال ذلك كنت أروم الابتعاد عن ما يعكر القلب والنفس وقد شغل المكان والبعد عنه، والغربة حيزاً كبيراً من هذه الكتابات، وهذا ما جعل الحزن يصبغ لونه الموجع فوق روحي، ولذلك أجد نفسي في كثير من الأحيان أذهب إلى الكوميديا لأخفف من وطأة الحزن ولو قليلاً.
*التكوين المسرحي، هل له مدارس معتمدة؟
هناك الكثير من التيارات والاتجاهات، وقد مر المسرح بمراحل وتطورات كثيرة منذ أيام اليونان وحتى وقتنا الحاضر وقد نختصرها في مدرستين، هما الروسية المتمثلة في ستانسلافسكي والألمانية المتمثلة في بريخت وفي فلكهما جرت الكثير من التنظيرات ومحاولات الاشتغال والتجديد والاجتهاد، ويتم التأكيد دائماً على أن هذا الفن وافد إلى بلادنا وفي هذا الشأن حاول الكثير من الكتاب وأهل المسرح العرب السعي إلى تأصيل مسرح عربي.
*ما أسباب تراجع العروض المسرحيّة؟
ـ يمكن أن تختصر الأسباب بالرقابة البائدة والمتخلفة التي يمارسها القائمون على المسرح بشكل خاص والثقافة بشكل عام والتي تسمح بتقديم نصوص باهتة ولا طعم لها وتمنع ما هو خاص ومميز، وأعني في كلامي المسرح السوري الذي يحتفي بأي نص عالمي لا يلامس أي قضية من قضايانا، ولا يقيم وزناً للنص المحلي وأهمية تقديمه على الخشبة وحين يتنازل ويسمح بذلك يختار ما هو واهن
وضعيف.
لا نبوح بسر خطير لو قلنا إن هناك من يفكر أو لعله يتمنى أن يلغي المسرح بشكل نهائي لأن المسرح يطرح الفكر ويحضنا على التفكير واستنهاض الهمم والبحث عن حلول لقضايانا المستعصية ويبدو أن هذا لا يروق لمن لا يريدون للمسرح أن يكون أصلاً.
*كيف يمكن إيجاد نهضة مسرحية؟ وما دور القطاع العام والخاص؟
ـ عندما نعيد المسرح للجماهير ليعبر عن أحزانها وهمومها وتطلعاتها المستقبلية، سينهض المسرح من فوره ولو عدنا قليلاً إلى الوراء أو إلى مرحلة الثمانينيات تقريباً ستخطر في بالنا مباشرة مسرحية “غربة، كاسك يا وطن، العيال كبرت، مدرسة المشاغبين” وغير ذلك الكثير، وأيامها لم تكن تجد مقعداً في صالات العرض، أما ما يحدث الآن يجعل المتابع، وكأنه قد شاهد حزورة لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد يصفق كفاً بأخرى وهو يسأل نفسه ماذا أراد أن يقول هذا العرض؟ ولعله يندم على الوقت الذي أضاعه في هذا الشأن.
لا أرى في هذه الظروف أي دور للقطاع العام بعد أن قطع يده و “شحد” عليها كما يقال وتلك القريشات أو الملاليم التي يمنحها للعرض في سورية لم تعد تكفي أجرة لطريق فريق العمل ولا مشكلة لو يتم إعطاء الخاص هذا الدور من دون وضع العراقيل أمامه.
*في ظل التقدم التكنولوجي، هل أثر ذلك على المسرح بشكل عام؟
ـ بالتأكيد أن للتكنولوجيا تأثيراتها السلبية على المسرح ولكن يمكن استثمارها عن طريق الإعلان الجيد لجذب الجمهور وإعادته للمسرح، فهي ليست عدوة لنا وليست سيئة، بل هي مفيدة ويمكن استثمارها بشكل إيجابي لمصلحتنا.
*محمد الحفري الحاصل على عشرين جائزة محلية وعربية، ما هي مشاريعك المستقبلية؟
ـ كنت أكتب رواية تحمل عنوان “عفش” ووصلت إلى منتصفها تقريباً، لكنني توقفت عن العمل فيها بسبب انشغالي بعمل موجه للأطفال وسيتم تصوير حلقاته فور الانتهاء من كتابتها من قبل من تم الاتفاق بيني وبينهم.