الشامت أيضاً

الصفحة الاخيرة 2024/03/10
...

محمد غازي الأخرس

لا أكثر من ورود مفردتي "الشامت" و"الشمّات" في شعر الدارمي عندنا، ومن ذاك قولهم: شماتي مو شمات شماتي سبعة.. وثامنهم بكاروك ومطلع اصبعه.
هو كذلك، حاضر دائماً في الحياة ومتخيل الناس، فهم يقولون في سياق التحذير من نشر الغسيل العائلي الوسخ أمام الناس: ورانه شامت ومتصنت، وترد الكناية في أحاديثنا اليوميَّة أثناء حدوث المشكلات بين أبناء الأسرة الواحدة،  أي احذروا أن تصل مشكلاتنا الداخلية خارج دائرتنا، فثمة من يتصنّت وراء الجدار في انتظار أن يسمع صياحنا فيشمت بنا.
والشماتة في اللغة هي إظهار الفرح بوقوع الشر للعدو. وفي التنزيل العزيز: فلا تُشَمِتْ بي الأَعْداءَ؛ وفي دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم الطف: اللهم أنت ثقتي في كلّ كَرب، ورجائي في كلّ شدة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعُدّة، كم من هِمّ يَضْعفُ فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحِيلة، ويَخذل فيه الصّديق، ويشمت فيه العدوّ، أنزلتُه بك وشكوتُه إليك، رغبةً مني إليك عمّن سِواك، ففرّجته وكشفته".
وفي اليوم نفسه تمثل أبو عبد الله بأبيات ذي الإصبع العدواني التي فيها: فقل للشامتين بنا أفيقوا .. سيلقى الشامتون كما لقينا.
لغويَّاً أيضاً، الشمات بكسر الشين هي الخيبة، واسم الفاعل فيها: شامت، لهذا تقول العرب: رجع القوم شِماتاً، أَي خائبين، وشَمَّتَه اللهُ: خَيَّبه، وتشميت العاطس: الدُّعاءُ له، أي مبادرته بالقول: يرحمكم الله. ويزعم بعضهم أن أصل التشميت هو التسميت، لكنهم قلبوا السين شيناً، والأصل فيها هو السمت، أي القَصْدُ والهَدي، وثمة من يقول إن دعاء العاطس أو التشميت له يحتمل دلالة أن نقول له: أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك.
اجتماعيَّاً، الشماتة مرض متفشٍ في أغلب المجتمعات العربيَّة، وهو عارض خطير يدل على أن الشامت يعاني من عقدة ما متغلغلة في صدره، فهو وصل في كراهية من يشمت به لمرحلة أن يفرح لوقوع البلية على رأسه. وعلل الشماتة عديدة منها أن الشامت قد يتوهم وقوع المصيبة على رأس عدوه بكونها عقوبة ربانيَّة إنّما جاءت لإنصافه، أو إنّها تحققت بدعاء دعاه عليه، أو أن المصيبة حين حلّت فإنّها قد تأتي بفائدة ما لمصلحة الشامت، لهذا يفرح لوقوعها. وفي بعض الأحيان، تكون المصيبة الواقعة على رأس أحدهم مدعاة لفرح من أصيب بمثلها من باب أن الشامت ينتابه شعور بالإنصاف لأنّه تساوى مع المتشمت به، أو المشموت كما في الصيغة القياسيَّة لاسم المفعول من شمت، وهنا يتذكر المرء قول المصريين "مفيش حد أحسن من حد". أخيراً، قد تكون الشماتة بالآخرين نوعاً من أنواع الحسد الذي هو تمني زوال النعمة من أحدهم، فإن حدثت البلية تحققت علة الحسد فعليَّاً، ففرح الحاسد وحينئذ يكون حاسداً وشامتاً، ويتجسّد ذلك بقوله: حيل، وقد يفلسف البلية الواقعة بالقول: الله ما يضرب بحجارة، والمتفذلكون من الشامتين قد يبدأون شماتتهم بالعبارة السخيفة المأثورة: اللهم لا شماتة. يقول أحدهم هذا قبل أن يشمت، فتكون شماتته أبلغ من شماتة من يقول: اللهم إني شامت، فتأمل أعزك الله.