شاعرة موهوبة

ثقافة 2024/03/12
...

  فليحة حسن

يمكنني أن أنسب قصة «شاعرة موهوبة» إلى القصة القصيرة جداً، فهي لا تعتدُّ بمعاير القصة القصيرة من حيث طولها، فالقصة القصيرة عادة ما لا يقل عدد كلماتها -وحسب النقاد- عن عشرة آلاف كلمة، اما قصة «شاعرة موهوبة» فهي تتكون من ست وأربعين كلمة فقط بضمنها العنوان المكوّن من كلمتين.
 ويمكن للقارئ الأول لها ان يصل الى انطباع مباشر في أن كاتبتها قد اعتمدتْ أسلوب التهكم حين جعلتْ من بطلة قصتها – وهي عادة ما تكون بطلة حقيقية – شاعرة غير موهوبة تعتلي المنصة لتستهزئ بجمهورها، علماً بأن الجمهور المتابع لهذه الشاعرة يكون كلّه أو جلّه من الرجال، الذي خدعت كل واحد منهم، وجعلته يتخيل بانه قد كان سبباً في إلهامها لتلك القصيدة التي ستقرأها،
ومن ثم فهي استطاعتْ بمكرها الفوز برضا جمهورها الذكوري، والبقاء آمنة من سياط نقده اللاذع، كما أن الكاتبة عملتْ على استنكار فعلة بطلتها تلك بأن سلبتْ من عنوان القصة لام التعريف.
وبعيداً عن كون القصة حقيقية أو من وحي خيال القاصة، فقد أعجبني كيف أن بطلة القصة «الشاعرة» أهدتْ قصيدتها إلى الرجل الذي أحبته، ولكنها تركته مجهولًا بين الجمهور، مما يخلق توترًا وغموضًا، أيضًا، كما أنني أحسستُ بالتعاطف مع الشاعرة، لأنها تعيش في عالم لا يفهمها أو يقدرها به احد ، وإنها  تبحث عن الحب والاعتراف في عالم ضبابي لا يعترف بالواضح والحقيقي وإن الوصول فيه الى الهدف المنشود أحياناً ما يحتاج الى السيّر في طرق ملتوية وغير ميسرة.
ومن الملاحظ ان القاصة هنا اعتمدتْ التركيز على الانطباعات والمشاعر الفردية للشخصية، وذلك باستخدام اللغة البسيطة والمباشرة والموسيقية، بدلاً من اللغة المزخرفة أو المعقدة والوصف المفصل أو الشامل، فإمكنها من خلال ذلك إنشاء جو من الغموض والتلميح والتضارب، بدلاً من الوضوح والتفسير. فاذا ما أردنا ان نقوم بتحليل نفس القصة بطريقة النقد النسوي، وأعني بهذا النقد النوع الذي يهتم بدراسة الأدب من منظور النساء، ووفقاً لهذا المنظور، يمكننا ملاحظة بعض الجوانب المهمة في القصة، والتي تعكس وجهة نظر الكاتبة النسائية،  ففي القصة وحين تتبعنا لنمط السرد الأول، حيث إننا نرى حالة التقمص الحاصلة بين بطلة القصة والكاتبة، التي تروي تجربتها الشخصية كشاعرة موهوبة تلقي قصيدتها الجديدة أمام الجمهور، وفي هذا النمط يتم إعطاء الكاتبة صوتاً وهوية خاصة بها، تمكناها من التعبير عن مشاعرها وأفكارها بحرية.
والقصة هنا تبرّز دور الرجل كمصدر للإلهام، وهذا الدور يمكن أن يفسر بطريقتين متناقضتين، الأولى أن الكاتبة تعترف بأهمية الرجل في حياتها وإبداعها، وتشكره على ذلك، والثانية أن الكاتبة تستخدم الرجل كوسيلة للتلاعب بمشاعر الآخرين بشكل عام.
اما تفاعل الجمهور مع القصيدة، وكيف أن كلّ رجل يعتقد أنه هو المعني بالإهداء، يمكن أن يدلّ على قوة الكاتبة في التأثير على الجمهور وإقناعهم بكتاباتها، أو على ضعف الجمهور في فهم القصيدة وتفسيرها بشكل سطحي ومتسرع.
اما إذا ما حاولتُ قراءة نفس القصة مستخدمة بعض من معايير النقد النفسي، الذي يهتم بدراسة الأدب من منظور النفسية البشرية والعلاقة بين الإبداع الأدبي والشخصية واللاشعور والمشاعر والرغبات والصراعات النفسية للكاتب والقارئ، وفقاً لهذا المنظور، فيمكنني ملاحظة بعض تلك الجوانب الموجودة في القصة، والتي تعكس وجهة النظر تلك وبكل وضوح ،
فالقصة تعبّر عن حالة من الانشغال النفسي للكاتبة بالرجل الذي ألهمها قصيدتها، والذي ربما يمثل لها شخصية مثالية أو حبيباً مفقوداً أو أباً رمزياً، هذا الانشغال يدل على وجود رابطة عاطفية قوية بين الكاتبة والرجل، وربما تكون مصدراً للسعادة أو الألم أو الشوق أو الحنين.
كما يتكشف للقارئ من خلال شخصية البطلة / الشاعرة الموهوبة، عن رغبة الكاتبة في الحصول على اعتراف وتقدير الرجل الذي أهدته قصيدتها، والذي ربما لا يعرف بوجودها أو لا يبادلها نفس المشاعر، هذه الرغبة تنم عن وجود نقص أو عدم اكتفاء في الذات الكاتبة، وربما تكون قد تكونت كنتيجة لتجارب سابقة من الرفض أو الإهمال أو الإحباط في العلاقات العاطفية، ولكي تثأر لذلك استطاعت الكاتبة أن تنتصر لإبداعها وحده، فأظهرت تأثير القصيدة على الجمهور حين قالتْ: (فصفّق لها جمهور الحضور بكلّ حماسة)، وهذا التأثير يمكن أن يدلّ على قدرة الكاتبة على التواصل مع الآخرين، وإثارة اهتمامهم وانجذابهم لها عن طريق استخدام أسلوبها الإبداعي وحده.

****
قصة شاعرة موهوبة من المجموعة القصصية «لائحة بأسماء الملائكة « التي صدرتْ عن السمر للنشر والتوزيع في البصرة، عام 2021.