فضيحة نيويورك تايمز.. غزّة تحفر قبر الصحافة الأميركيَّة المهيمنة

ثقافة 2024/03/13
...

زينة إبراهيم/ واشنطن



كشفت الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة، عن كم هائل من الزيف والانحياز وعدم الالتزام بالمعايير المهنية لدى مؤسسات إعلامية أميركية عريقة.
صحيفة نيويورك تايمز - التي تحمل على أكتافها تاريخ تأسيس كثير من قوانين حرية الإعلام في الولايات المتحدة، وينظر إليها كثيرون حول العالم بأنها مدرسة وقدوة في الممارسة الإعلامية - سقطت في اختبار غزة، بل أضحت عنوانا لانحطاط أخلاقي ومهني يمعن في الانحطاط على نحو متزايد، بالتوازي مع إمعان إسرائيل في حملتها الهمجية ضد المدنيين العزل في غزة.


قد يقول قائل إن الصحيفة تناولت أيضا الوضع الإنساني الكارثي في غزة، وسلطت الضوء على تفاصيل معاناة الناس هناك في مقالات عدة. هذا صحيح. لكن مشكلة المعالجات التي قدمتها نيويورك تايمز – ووسائل الإعلام المهيمنة الأخرى – حتى الآن، أنها تقدم الفلسطينيين وكأنهم ضحايا كارثة طبيعية. لا أحد يجرؤ في الإعلام الأميركي المتحالف مع مؤسسات صنع القرار على تسمية إسرائيل أو الإشارة إليها، بوصفها المسؤولة عن محنة المدنيين في غزة ومناطق أخرى من فلسطين المحتلة. 

حتى في تغطية أحداث غزة تتجاهل نيويورك، ومعظم وسائل الإعلام المهيمنة في الولايات المتحدة، مبادئ كتابة الخبر الصحفي الأساسية، وتلجأ إلى صيغة المبني للمجهول لكي تتلافى الإشارة إلى إسرائيل وجيشها بوصفهم الجناة، عندما يتعلق الأمر بقصف منازل الفلسطينيين وقتل النساء والأطفال وكبار السن بشكل جماعي ومن دون مبرر. واللافت في تغطية الإعلام الأميركي لفصول الإبادة الجماعية في غزة، أن الفلسطينيين “يموتون” في الغالب عندما تسقط “صواريخ” في مكان ما في غزة. 


تعمل الصحيفة، ومثيلاتها، بجهد كبير لإبعاد اسم إسرائيل عن عناوين أخبار المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. يقول أحدث عناوين صحيفة نيويورك تايمز لأخبار غزة: “موت عشرات من الناس وسط تدافع على شاحنات المساعدات في غزة يظهر حجم الجوع في القطاع”. المفروض أن هذا الخبر يتعلق بـ”مجزرة الرشيد”، حيث أطلق الإسرائيليون النار على فلسطينيين عزل تجمعوا حول شاحنة مساعدات، وقتلوا أكثر من مئة شخص وجرحوا مئات آخرين. لكن الصحيفة لا تذكر أن الجيش الإسرائيلي أطلق النار على الناس، لا في العنوان الرئيس، ولا الثانوي للخبر.


لكن فضيحة نيويورك تايمز أكبر من مجرد التلاعب بعناوين الأخبار وصياغتها، لحجب الحقيقة عن المواطن الأميركي. إن بعض ممارساتها تضعها في خانة المتواطئين مع الإبادة الجماعية والميسرين لاستمرارها. التحقيق الذي نشرته في نهاية كانون الأول مثّل فضيحة مدوية بشأن انخراط نيويورك تايمز في الترويج للدعاية الإسرائيلية. يزعم المقال أن المقاومة الفلسطينية استخدمت الاغتصاب كسلاح في السابع من أكتوبر. 

وسائل إعلام أميركية مستقلة، مثل “غري زون” و”انترسيبت” وغيرها، فضحت نيويورك تايمز وكشفت عن أبعاد الفبركة التي قدمتها الصحيفة لإثبات “صحة” مزاعم الاغتصاب الإسرائيلية. يقول موقع “إنترسيبت” إن تحقيق الصحيفة هو “بمثابة قنبلة حفزت الجهود الحربية الإسرائيلية، في وقت كان فيه بعض حلفاء إسرائيل يعربون عن قلقهم إزاء قتلها للمدنيين على نطاق واسع في غزة،  وليكون مبررا لقتل الأبرياء في غزة”. 

صحيفة نيويورك تايمز، بحسب موقع انترسيبت، كلفت مخرجة إسرائيلية، مسؤولة سابقة في المخابرات الجوية الإسرائيلية بالعمل مع قريب لها ومراسل مخضرم في الصحيفة، بتحقيق حول العنف الجنسي، برغم أن الإسرائيلية تفتقر إلى الخبرة في الصحافة الاستقصائية، وكانت تشعر بحسب موقع الانترسيبت بضغوط متضاربة بين كونها مؤيدة للمجهود الحربي الإسرائيلي وكونها مراسلة لصحيفة “التايمز”. 

وبحسب مقابلة أجرتها معها القناة 12 الإسرائيلية، فإنها برغم جهودها المكثفة للحصول على تأكيد من المستشفيات الإسرائيلية ومراكز أزمات الاغتصاب ومرافق التعافي من الصدمات والخطوط الساخنة للاعتداءات الجنسية في إسرائيل، لم تستطع الحصول على تأكيد واحد من أي منهم على حصول حالات اغتصاب في 7 أكتوبر. مع ذلك مضت الصحيفة في نشر مقالها الذي اعتمد بشكل أساسي على تدوير شهادات مشكوك فيها وبأصحابها، الذين يخدم بعضهم في الجيش الإسرائيلي. 


قد يكون مقال نيويورك تايمز واحدا من أبرز الأمثلة على خرق مبادئ العمل الصحفي، لكنه ليس الوحيد. مع ذلك تتوجب الإشارة إلى أن الإعلام الأميركي المستقل يقوم بدور مهم وفعال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكشف الحقائق ورصد أكاذيب وسائل الإعلام التقليدية المهيمنة، التي تمثل مصالح قوى وشركات كبرى وتحالفات وجماعات ضغط، يهمها الغلبة بأي وسيلة من دون اعتبار لأرواح الأبرياء.