كربلاء: صلاح حسن السيلاوي
احتفى اتحاد أدباء كربلاء بالشاعر جبار الكواز، عبر أمسية قرأ فيها قصائد مختارة من مجاميعه الشعرية، وتحدث عن تجربته الإبداعية مارا على محطات متعددة من حياته الثقافية والشخصية.أدار الأمسية الشاعر فاضل عزيز منطلقا من البدايات الأولى لشعريّة الكواز، مع ذكر أهم المحطات الإبداعيّة في سيرته الأدبيّة.
ثم رحب الشاعر سلام البناي أمين اتحاد أدباء كربلاء بالشاعر الكواز والضيوف الذين حضروا رفقته من أدباء ومثقفي بابل.
ابتدأ الكواز حديثه عن حياته الثقافية وتجربته الشعرية وجذوة المغامرة الأولى للكتابة التي مهدت للتحولات البنيويّة في نصوصه اللاحقة، ومع توارد أسئلة مدير الأمسية تحدث الكواز عن رؤيته لنظريّة الأجناس الأدبيّة وبنية الأشكال الشعريّة مع قراءة نصوص عديدة منتقاة من تجربته الإبداعيّة، ومنها: نص (بينولوبي) الذي قال فيه: «في وحدتها/ حين تحوك النهر/ وهو يئنّ بين أصابعها/ كانت تهدهده بأغاني بلبل ثمل ما عبر البحار يوما/ وما غرد فوق عاقولة بابل وهو يعيش عجاجاتها عبر العصور/ (بينولوبي) الغارقة في دهاء الحروب/ وهي ترى (اليانكي) يدوس شارع الموكب وروث دباباته يدنس حجر الآلهة/ انهمكت في مغزلها المكسور/ كأنّ (عوليس) سيأتي غدا/ نظرت إلى النهر بين أصابعها/ يطوي موجاته خشية جفاف آت/ وهو يتفلّتْ/ ويتلفّتْ/ خوفا من حراس الأسوار/ وعماليق السماء/ ووحوش البرّ/ بكتْ/ لم تجد غير دمعاتها/ شاردات في برية روحها/ وهنّ يمسحْنَ عثارَ سنواتها بملح
الأهوار».
ومن نص «أميرُ الكونِ عليٌّ» قرأ ما يلي: «هم يحسدونكَ في عُلاكَ وإنّما/ متسافلُ الدرجاتِ يحسدُ مَن علا/ تلك الجمرةُ التي/ اغترفتْها كفُّ (عقيل)/ اختصرتْ/ جهنماتِ التاريخ/ وكانت (صفين) هناك/ و(دومة الجندل)/ والفرات الظامئ كان قطيعَ الراس في أكياس/ أمراءُ المالِ/ وكنّازي الذهبِ والفضةِ/ وحين صرخَ (عقيل) صرختَه/ تهاوتْ أممٌ/ واسودّتْ وجوهٌ/ وفار تنورُ الثأرِ/ غِلّا/ وجهلا/ وظلما/ وطفا فوق وجه الماء، قتلى بغداد المغدورة/ بسيف الله».
ويرمز «زليتينوس» عنوان لإحدى قصائد الكواز، لمدينة ليبية عاش فيها المحتفى به بضع سنوات وقرأ تحت هذا العنوان: «ليست متاهة رمال/ ولكنها مدينة ابتكرها البحرُ قباباً/ وجلابيبَ وقراءاتٍ/ لم تشأ أن تفتح عينيها على أفق وليد/ وما كنت أراها إلّا من وراء حجاب/ كان حجابها أقمارا وشموسها/ عباءاتٍ بيضاً وكانت خطاها وطنا/ وأناملها قصائدَ/ وبريق عينيها نشيدا وطنيا موؤدا/ في مشافي (روما)/ وفي رسائلي/ نعم رسائلي/ غالبا ما أوقظها نكاية، بـ (سنمار)، بالكتب الصفر/ بالمداد السريّ/ بنصوص مازالت تبحث عن كلماتها/ في حصاد السواحل/ وحصارات القبور الدارسات/ أين أذن؟/ تعالَي/ أتعلمين أن حروفك صارت موانئ،
للنخيل؟!».
ثم قرأ نص «العودة إلى الحلة»: «بابُها ليست (حطة)/ فالداخلُ منها تكلّمه الرياحُ/ وتكلّله الطيرُ وتحرسُه الآلهة/ اشجارُها ليست (طوبى)/ وهي من ذهب الروح وفضة الماء وابنوس الفجرِ/ شناشيلُها بسمةٌ تتدثر بالخوفِ/ وتوزع مناشيرَها الحمرَ فوق الغيوم/ نوافذُها قصائد غزل نائمٍ في المروج/ فتيانُها أقمار مرايا الله/ لم تزل حائرةً في الأعالي/ امهاتُها غادرْنَ النعاسَ إلى الألم/ ونسجن البكاءَ عباءات/ وحملنَ افراحَهنّ فوانيسَ في المقابر/ فأيّ الدربينِ عسلٌ اليها/ وأيّ الدربينِ حليبٌ طرّز ثقوبَ سمائها بالمواعيد/ (دربُ الماء أم دربُ التراب؟!) لها ما تشاءُ/ (حجارة تبكي/ كتاب نبيّ/ أغان مهربات/ سماء ورد/ أو شظية نام ابناؤها فيها حين استيقظتِ الحروب)/ لم تغادرْها الأماني في صباحات فيروز/ وعتباتُها تمشي على استيحاءٍ/ وهي تحضنُ ارواحَنا في قفص الظلال/ أدخلها بالخوف/ ومنذ رضاعة دخلتها بالدهشة/ والآن/ الآن/ الآن/ لا دخولَ لها بكلماتي وهي تعانقُ اطلالَها بأغانيّ اللواتي علمتنيها عالقاتٍ في الغبار/ أو سابحات في الأهوار (بعد أن قيدني رتاجُها بضباب وقال لي: آمين) وبالأماني التي نسجتُها في أساريرها/ ولم تطقِ السهرَ/ وهي ترى اللهَ يقظا في آبارها يرتّل آياتِه معي/ (لا أيامها امّحاءٌ/ ولا نسيانُها قدرٌ ولا دخولَ لها)/ وسأدخلُها.. لا/لا/لا/ سأدخُلها غدا حين يغشى قلبي في (بابل) بكاؤها/ وعن حجارتها سأغني: (عتبتي فردوسٌ وأكراتي ملائكةٌ وخشبي كافورٌ/ ومسامير مشاحيف غارقاتٌ في السواد/ وجسدي ترابٌ)/ ادخلها الآن.. سأدخُلها.. لا/لا/لا، سلامٌ على أهلها النازفين/ سلام عليَّ/ وأنا أخطّ المشيبَ عكازةً شطفتُها بعشبة النسيان/ فبابُها ما زال خجلا حين دخلتُه غدا/ وهو يقصُّ آلامَه في المخاض/ (الحلة ولدت هنا/ الحلة نامت هنا/ الحلة مرّت من هنا/ الحلة ضاعت هنا... الحلة لن تموت هنا أو هناك في الأعلى) و(كلكامش) يبكي وهو يرى/ (الظلام غابةْ، وانكيدو سحابةْ وشمخا ربابةْ) وفي زواياها التي ازدهرت في المياه/ يختلُ المطرُ/ و(بابل) اخشاها وتخشاني متلفعا بالغبار/ (بابل عتبة تولد عتبةً.. رغم الخوف والموت)/ العابرون اقتنصوا لسانها بضجيج مناجلهم/ وعلقوا اثداءها في رقاب اسراهم/ وهي تئنُّ.. تئنُّ.. تئنُّ/ وأنا عارٍ من توباتي/ عارٍ من خطواتي/ وهي التي سوّلت لي هجرٓها منذ طيفٍ/ وحينما لمحتُ الفراتَ، ينشرُ اسمالَه في الضفاف ويسلّمُ النوارسَ طهارتَه خلسةً/ والخوفَ كلِّ امانيه/ استوقفي القومُ باللمح كسروا الافقَ/ غسلوا عتباتِهم بالهمِّ/ وهي تئنُّ وتئنُّ، وَ، تَ، ئ، نُّ/ والعابرون يمرون/ دونما تحية وسلام/ قالت: سلامٌ عليك وهيتَ لك».
بعدها ابتدأت المداخلات التي تعاقب عليها الشاعر الدكتور عمار المسعودي، والناقد الدكتور عمار الياسري الذي تحدثت في مداخلته عن جماليات التشكيّل الشعريّ في مجموعة الكواز «فوقَ غابةٍ محترقة» بما نصه:
1/ شكلت قصيدة النثر بنية فارقة تنوعت مبانيها وفاضت معانيها على شكلين، الشكل الأول شكل الاختزال بنيته العميقة، فالجملة الشعريّة المختزلة تشي بطاقة دراميّة هائلة جعلت من جريان الحدث الذي تلفّع بمنظومة صراع واثبة مشوّقة يوقع المتلقي في حبال القراءة وكانت قصيدة (وحيدًا) مصداقه الأمثل، الشكل الثاني تسريد الجملة الشعريّة المشحونة بالمفردات ذات البنية المشهديّة المسورة بالمرجعيّات الثقافيّة، وكانت قصيدة (سيْرح) من مصاديقه الصادحة.
2/ لم تخلُ المجموعة من البلاغيّات الوافرة مثل التكرار الذي ساهم في مركزيّة المعنى والانزياح الذي فعّل بنية التلقي..
وكانت هناك مداخلات أخرى للشاعر عبد الحسين خلف الدعمي، والقاص حمودي الكناني، والروائي والشاعر علي لفتة سعيد، والشاعر صلاح السيلاوي، فيما قرأ الشاعر صلاح اللبان قصيدة بالمناسبة، وفي الختام قدم الشاعر سلام البناي شهادة الاتحاد التقديرية للأديب المحتفى به تثمينًا لمنجزه الإبداعي.