موسيقى إحسان أدهم.. حروفٌ كلاسيكيَّة مُلوَّنة

ثقافة 2024/03/25
...

 علي إبراهـيم الدليمي


يعد الفنان الراحل إحسان أدهـم، من أعلام العراق المبدعين، حيث إنه متعدد الاختصاصات الفنية في الخط العربي والرسم والموسيقى، وأحد المساهمين في إرساء أسس الفن العراقي المعاصر، إذ تم تكريمه في العام 1991 وحصل على مرتبة الريادة في فن الخط العربي في العام 1993، من كبار الخطاطين العراقيين والعرب لغاية رحيله العام 2020، فضلاً عن كونه المدير المؤسس للأوركسترا السمفونيّة الوطنيّة العراقيّة.

وعن أسلوبه في الرسم التجريدي كتب الفنان والناقد حميد ياسين، أن "إحسان أدهـم يُعِد أجمل التكوينات التجريدية التي لم تبرز في مستواها ومؤداها على يد فنان آخر. 

أقام العديد من المعارض لأعماله في الرسم التجريدي وحظي على سمعة راقية بين محبي هذا الفن حيث برع في استخدام الألوان والحساسيات البصرية التي قد لا نجد لها شبيها إلا عند فنانين كبار أمثال كاندنسكي وميرو اللذين تأثر بهما. 

أن نتاجات الفنان إحسان أدهـم تقوم في الأصل على البحث والجمال وعلى ذلك كان من أفضل الفنانين الذين استخدموا الحرف العربي في مجال الرسم إذ تتسم تجربته في إبراز معالم الحرف العربي على المستوى الكلاسيكي وتسعى إلى خلق علاقة موضوعية بين الخط العربي وبين تكويناته المختلفة التي تنطلق عبر أنامله مثلما ينطلق القمر في ليلة صافية.. يهيمن الفعل الخالق على التجربة ويحيلها إلى نوع من التجديد والسمو الفني".

ينتمي أدهـم إلى جيل الستينيات المعروفين بالإبداع والتجدد، وإلى المدرسة التجريدية في الرسم، إذ تمتاز أعماله بتعدد الأساليب وعدم التكرار مضيفاً بصمته الفنية الخاصة التي تطبع أعماله المتنوعة، فأعمال الفنان تنقسم دوماً إلى مجموعتين؛ الأولى تخص روائعه في فنون الخط العربي التقليدية، والأخرى عن أعماله التشكيلية، ولوحاته التي تستلهم الحرف، وقد ساهم بمعارض كثيرة حيث كانت لوحاته مرموقة لما ظهر فيها من ملامح التجديد والاهتمام باستيحاء الحرف في تكويناته التشكيليّة، وتميز في تقديم مجموعة من اللوحات التشكيليّة الناجحة عبر المعارض الشخصيّة والجماعيّة والمهرجانات الفنيّة التي شارك فيها.

انتمى أدهم إلى بعض الجماعات الفنية مثل "جماعة البعد الواحد" التي أسسها الرائد شاكر حسن آل سعيد، و"جماعة الفن المعاصر". وقد أقام معرضه الشخصي الأول عام 1966 في كاليري الواسطي العريق ببغداد، والثاني عام 1988 على قاعة الرواق، والثالث في العام 1995 على قاعة إينانا للفنون ببغداد. 

وبعد خروجه من العراق أقام أكثر من 20 معرضاً شخصياً في عمان، وعدد من الدول الأوروبية مثل الدانمارك وألمانيا وهولندا، حيث افتتح عمدة مدينة نيوستذ الدانماركية لينارت دماسبو اندرسين معرضه الشخصي في عام 2003. 

أما في العام 2005 فقد افتتح رئيس اللجنة الثقافيّة في مجلس مدينة يللنغ معرضاً شخصياً له، وفي ذات العام افتتحت وزيرة الثقافة الدانماركية السابقة وعميدة مدرسة التصميم في مدينة كولدينغ السيدة إليزابيث نيلسين معرضاً شخصياً آخر له. 

شارك أدهم في العديد من المعارض المشتركة والمهرجانات الفنية عراقياً وعربياً وأوربياً منذ العام 1956 كالمعرض السنوي لجمعية الفنانين التشكيليين، ومهرجان الواسطي، ومعارض جماعة البعد الواحد وجماعة الفن المعاصر، ومهرجان بغداد الدولي، ومهرجان أيام آخن للسلام في ألمانيا. كرم وحاز على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية في داخل العراق وخارجه وتصدرت لوحاته التشكيليّة أغلفة مجموعة من المجلات والإصدارات الأوروبية في الدانمارك وألمانيا والمملكة المتحدة. وعن رؤيته الفنية بخصوص استلهام الحرف العربي كمفردة تشكيليّة في أعماله الفنيّة يقول الفنان الرائد والناقد شاكر حسن آل سعيد: "يؤكد إحسان أدهـم على استلهام الحرف لذاته في اللوحة وحاول طرح قابليته في استلهام الحرف العربي من وجهة نظر تجويدية، وهو من الخطاطين المجودين والغرافيكيين في   الوقت ذاته ".

ولد أدهم في مدينة كركوك عام 1934 عندما كان والده يتقلد منصب قائممقام قضاء جمجمال في العهد الملكي، ونشأ في بغداد حيث درس وتخرج من معهد الفنون الجميلة عام 1963 حينما كانت مدة الدراسة الرسمية تستغرق 8 أعوام، حيث تتلمذ على يد فنان الشعب التركي البروفيسور مكرم برق، والبروفيسور الألماني مارتن وولف، والخطاط التركي الشهير ماجد بك الزهدي، والفنان الرائد نوري الشماع. وفي العام 1968 أتم دراسته العليا من جامعة الموسيقى والفنون المسرحية في ولاية شتوتغارت الألمانية بإشراف الفنان الألماني الشهير البروفيسور كارل فريدريك ميس. 

عمل أدهم في مجال التدريس الأكاديمي أستاذاً في معهد الفنون التطبيقية، ومعهد الفنون الجميلة، وأكاديمية الفنون الجميلة ببغداد. كما واصل عمله الأكاديمي والفني بعد مغادرته العراق حيث تولى رئاسة قسم الهوائيات في المعهد الوطني للموسيقى في عمان، وشغل موقع خبير في مؤسسة الملك حسين، وبعد استقراره في مملكة الدانمارك حاضر في الرسم والخط العربي، وترأس مشروع ´جدار الفن´ العام 2006 في المركز الثقافي للصليب الأحمر الدانماركي. درس على يديه عدد من الفنانين التشكيليين أبرزهم الفنان ستار نعمة والفنان محمد جايان. 

شغل الفنان إحسان أدهـم عضوية نقابة الفنانين العراقيين، وجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، وجمعية الخطاطين العراقيين، وجمعية الخطاطين الأردنيين، ومجلس الفن التشكيلي في مدينة فايلة الدانماركية - وهو أول فنان من أصول أجنبية والوحيد الذي شغل عضوية هذه المؤسسة الفنية الرسمية والتخصصية الدانماركية منذ تأسيسها، إضافة إلى عضويته في مؤسسة ثقافة بلا حدود الألمانية.

توفى في منزله بتاريخ 9 ايار 2020 ودفن في المقبرة الإسلامية في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن حيث تقيم أسرته. وبتاريخ 12 كانون الأول 2020 تم تأسيس متحف إحسان أدهـم للفنون في مملكة الدانمارك من قبل أسرته تخليداً لمسيرته الفنية الغنية التي تجاوزت سبعة عقود ولحفظ ونشر أرشيفه وأعماله الفنية.