1
أحمد عبد الحسين
رأيت مناماً
رأيت مناماً وفسَّرتْه لي خالدة.
رأيتُ أني أحمل طفلاً مقطّع الأوصال أتعثر به بين الأنقاض.
قال ودّ: أضغاث آباءٍ، وقالتْ أحلى: بابا العالم يملأ أحلامك بالبكاء، لكنّ خالدة ابتسمتْ: اكتبْ قصيدة. اكتبها كما لو أنك في غزة.
يا غزّة
أنا ما أحببتكِ خوفاً من نبوءات آبائكِ ولا طمعاً في نبوءات أبنائكِ، لكنْ هذا مغيبُكِ تنشره أراملُ على حبال حزنهنّ، أم حقائقكِ الثلاثُ مهموسةً في أسماع ربِّ الجنودِ؟ ولماذا كلما رتبتُ سريري وأغمضتُ عينيّ أغرقني الماءُ المعذبُ في أنهاركِ التي لا يراها أحد.
يا غزّة
أيتها الشمعة الكبيرةُ التي ينفخ عليها الشيطانُ ولا تنطفئ، يا طفلة ساهمة تهيل التراب على قلوبنا، أما آن لأوّل أسمائنا أن يُنسى، أما آن لآبائنا الصارخين في فوّهات الآبار أن يسمعوا أصواتهم؟
يا غزّة
في كلّ ليلة أحمل أطفالك وأتعثر بهم في الأنقاض
وها أنا أكتب قصيدة كما لو أني فيكِ
تحت نجمة زرقاء تمنعني من النوم
في كوكبٍ أسودَ يملأ أحلامي بالبكاء.
2
لم أولدْ قربَ البحر
لم أولدْ قربَ البحر لأعرفَ إلهاً غيرك.
بلْ في الهزيع الثالث من الليل ولدتُ، في غرفة ملأى بريش ملائكة يقتتلون، ولما كانت التواريخ مدوّنة بحبر غيابي، وكان مذياع على الرفّ يبثّ أغنية عن الموت، كنتُ مذرّى هنا وهناك، مبدداً وسعيداً أنقل كسور الأرقام من الغيب إلى الشهادة، أقدّمُ قدماً في الليل وأؤخر أخرى إلى النهار وأبكي خشيةَ أنْ أولد قبل الأوان.
أبكي خشية أن أفتح عينيّ قبلَ أن تنفتح خزائنُ الفجر ويهبط عتالو الأرحام بثرثراتهم عن الشرائع الكبرى،
حيث لا مكان يتسع لاثنين أنا وغيابي،
ولا زمان يكفي لكي يُشعلَ الإنسانُ عودَ ثقاب ويضيء العوالم. وحيث لا بحرَ لأولد قربه،
وحيث لا إلهَ إلا أنت.