د. بشار عليوي
تُعد ميديولوجيا الفنون ذات جاذبية وأصالة حالياً فمن خلالها نستطيع أن نُجدد فهمنا للفنون المُعاصرة بجميع أنواعها واتجاهاتها وفقاً لتمظهرات عصرنا الحالي عبرَ التأكيد على حضور الميديولوجيا/الوسائطية كوسيلة مُقاومة عبرَ الفنون المُعاصرة وبها تتحول الأفكار والمضامين المُراد صياغتها ضمن الخطاب الفني بوساطة ميديولوجيا الفنون إلى قوة مادية مُجسدة , وبالتالي إنتاج خطاب فني مُقاوم, فضلاً عن تبيان وظيفة الميديولوجيا/الوسائطية فكرياً وجمالياً داخل فضاء الفنون المُعاصرة, من أجل إعادة فهمها وتلقّيها وفقاً لمُعطيات العصر الحالي.
يُمكننا استخدام الميديولوجيا كخطاب فكري مُقاوم من قبل جميع الفنانين، عبرَ استثمار عديد الوسائط، كوسيط (الصورة) بوصفها لغة عالمية الصورة تفهمها جميع الشعوب التي لديها لُغتها المحكية الخاصة بها والتي تُميز شعب دون آخر، اذ تتمتع لغة الصورة بخاصية التعامل والوصول السهل للأفراد مما أدى إلى تكريس هيمنتها على حياتنا المعاصرة وبالتالي أصبحت ذات مركزية واضحة في عموم النشاطات الإنسانية الفكرية منها والمُجتمعية عموماً وهذا ما يُعطي تأكيداً لأهميتها بوصفها وسيطاً يُمثل مُرتكزاً أساسياً في عملية التواصل البشري بغض النظر عن ماهية المجال الوسائطي الذي يتم فيه استثمار الصورة بأنواعها كافة وتمظهراتها الفكرية والجمالية في الفكر الإنساني لاشتمالها على مُقومات اللُغة المفهومة والمُتداولة ذات الانتشار السهل والسريع بين أفراد الشعوب كافة، وهذا ما يقودنا إلى التأكيد على أهميتها في صياغة خطاب فكري مُقاوم هوَ في مُتناول الجميع فهي من أبرز تمظهرات حضور الميديولوجيا/الوسائطية في العصر الحالي وتحديداً الصورة بوصفها وسيطاً قابلاً للتواصل والتراسل، كتأكيد على شيوع الثقافة البصرية، وضمن هذا السياق فقد صدرَ للمخرج السينمائي (حسين العكيلي)، أول كتاب لهُ حملَ عنوان (ميديولوجيا أفلام التحريك) عن دار الفرات للثقافة والإعلام في بابل، وضمن إصدارات مهرجان بابل لسينما الانيميشن في دورته الرابعة لعام 2024 بواقع 236 صفحة من القطع الوزيري، وهوَ من الكُتب الرائدة في مجال السينما بشكل عام والانيميشن بشكل مخصوص والكتاب في أصلهِ رسالة ماجستير سبقَ للمؤلف أن ناقشها حديثاً.
عن هذا الكتاب كتبَ مؤلفهِ : ( لقد كونت الميديولوجيا عمقاً مفاهيمياً وفكرياً ومعرفياً ما بين الحاضر والماضي والمستقبل مضافاً إلى ذلك الصورة المفترضة في أفلام الإنيميشن، فهي توافق بين هذه المعطياتِ وبين كافة الرؤى الموجودة في هذه اللحظة، والأمر الذي جعل منها أمام عتبةٍ من الامتيازات الابستمولوجية، لتمثل أيضاً الميديولوجيا الخارطة المشهدية للحياة وبعدها بياناً لا يمكن الفكاكُ منه وموقفاً نعبر عنه بمقتضى ما نحس به ونشعره حتى أصبحت الصورة هي العمادُ الأساسي لما نشعر به فتكونت هذه المتطلباتُ بفعل الحالةِ الخصبةِ والاستعمالِ المستمرِ لكلّ البرامج فقد أصبحت هذه المكونات تعبِّر عنا بشكل أساس فلا يمكن أن نُفصل عنها، فمرحلة السايبورغ (إلتحام الجسد بالآلة) هي المرحلة العليا للتواشج الإنساني والتعبير عّما يمكن التعبير عنه من ترابطات حسِّية ولا حسيةٍ وهنا تكون الميديولوجيا فعلاً مباشراً وظهيراً أدائياً لكل البيانات اليومية المعروفة. فتكمن أهمية الدراسة في تقصّي مفهوم الميديولوجيا وتحوّلاتها عبر وسائطية الإنيميشن وما أهميته إلا بعد المراقبة الواسعة للأثر الميديولوجي على كافة الأصعدة الحياتية،و الأمر الذي دفع بالمؤلف إلى مراقبة أهم التحولات الحاصلة في وسائطياتِ العرض السينمائي،و الأمر الذي جعل هذه الاشتغالات حاضرة داخل رؤى أفلام التحريك، فيما تأتي الحاجة إليه إلى محاولة بيان الميديولوجيا كجزء رئيس من أجزاء أفلام التحريك، فقد عملت الميديولوجيا على خلق مناخ ترابطي بين الإنسان والأسطورة والتقانة، كما كونت الميديولوجيا إطاراً تواصلياً بين ما هو رقمي وما هو تواصلي يومي، فلا بد من تأثيث جوانب إبداعية جديدة في سبيل ملاحقة التطورات المعرفية والسينمائية الجديدة ولعل الشكل الوسائطي هو الأنجع في مراقبة التحولات الحادثة، فالأمر الذي جعل من أفلام التحريك جزءاً انتقالياً هاماً فقد استطاعت التحولات الجديدة أن تعطي فعلاً مؤثراً جمالياً مقابل أفلام الكارتون.
وتربَّعت الميديولوجيا على هرم العتبات الفكرية والحياتية منسحبة بذلك إلى التفاصيل المجاورة بكل أفعالها ورؤاها، والأمر الذي جعل من فاعليتها مبدأً لكل المنطلقات المفاهيمية لهذا العصر، وهذا الأمر قد أسهم في توكيد حالة الترابط الابستمولوجي بين أفلام التحريك (الإنميشن) وبينها أي الميديولوجيا، فالظواهر الإبداعية قد تدربت على إعطاء استمرارية للأفكار والأدوات والتي من شأنها أن تثني على المعطيات الكلية. فالإنميشين اليوم يترعرع في خانة الميديولوجيا بوصفه المتن الجوهري لكل الانتقالات المبكرة و التي نعيشها من متعة بصرية متعددة الرؤى والطروحات فضلاً عن اختلاف بياناتها الثقافية، وهذا ما دفع مخرجي أفلام التحريك العراقية إلى توسيع الخارطة الأدائية لديهم لتكون بمصاف السينما العالمية، ويبدو أنّ الوعي المبكِّر لمفهوم أفلام التحريك والاعتماد على الفريمات المتسارعة في تشكيل اللقطة هو ما أعطانا أفعالاً واسعة النطق، وهذا ما تؤكده النزعة التفصيلية لكلّ منطلقات الأفلام اليوم).
وأضاف بالقول، تشكل الميديولوجيا وسيلة هامة من وسائل الاتصال مع أفلام الإنيميشن باعتبارها أنموذجاً استعمالياً في الحيز الإشكالي، وعبرها يجري تأكيد فاعلية الحركة ومدى وسائطيتها بين انتقالين وهما الانتقال البصري والانتقال الوسائطي ومدى تأثير هذه الحالة في العين البشرية، فهي تتموقع مفاهيمياً ضمن أسس وفرص معينة باللجوء لهذا الجو الجمالي ليأتي بسبب الحضور الانتقالي للممثل ضمن فضاءات ما بعد الحداثة وسيلان الوعي الاشتغالي للتخلص من العديد من الافكار والانتقالات والتي لا يمكن أنّ تحدث إلاّ عبر هذا الوسيط المعرفي والتقني بالوقت عينه. وتمثل الميديولوجيا حضوراً صورياً و مفاهيمياً لتتمظهر داخل الفضاء العياني.