مجتمع مسلم

ثقافة 2024/03/27
...

 

د. يحيى حسين زامل



  تعود فرادة مؤلف كتاب “مجتمع مسلم”، إلى أنه تناول المجتمع الإسلامي من خلال الطريقة التي يتم العيش فيها مع الدين؛ أكثر من دراسته من خلال النصوص، وهذه ميزة فريدة تميزت بها الدراسات اﻷنثروبولوجية، إذ تُعدُّ اﻹقامة والتعايش والملاحظة بالمشاركة مع  أبناء مجتمع الدراسة من شروط الدراسة التي لابد منها، وإلا عُدّت غير أنثروبولوجية. 

    وكان مجتمع دراسته في بلاد المغرب، لذلك سافر إلى منطقة شمال أفريقيا الواسعة كنوع من الممارسة التفاعلية والتواصلية المعاشة مع الثقافة اﻹسلامية عن كثب، لتعزيز رؤاه الثقافية عن تلك المجتمعات العربية الإسلامية ، وهو اﻷنثروبولوجي القادم  من جامعة كمبريدج البريطانية؛ لتوثيق هذه المجتمعات الإسلامية ودراستها وفق رؤية دينية واجتماعية وثقافية، تتحكم في تلك المجتمعات القبلية التقليدية كنظام اجتماعي مهيمن، يتسم بالقداسة، مبني على اﻷنساب التي تعطي الامتياز للموقع للتوسط وقت الخلاف.  

   و”أرنست غلينر”  هو المفكر الوحيد الذي قدم وصفًا للمجتمع اﻹسلامي الحديث، وحتى في حال الاختلاف معه ، فإنه لا شك في التحفيز الذي يمكن أن نحصل عليه من دراسة أعماله نظرا لمكانته كواحد من أكبر علماء الاجتماع المحدثين. 

    ولقد اعتمد “غلينر” في تقديم نموذجه التفسيري للمجتمعات الإسلامية على مقدمة “ابن خلدون”، وكذلك على نسخة منقحة من النظرية الانقسامية لرائد اﻷنثروبولوجيا البريطانية “إيفانز بريتشارد”، على اعتبار أن آراء ابن خلدون عن المجتمعات الأفريقية أنها تعتمد على البناء القبلي القائم على العصبية والغزو، ومن ثم الانقسامية المستمرة، واعتمد “غلينر” على مجموعة من الأفكار الدينية الصادرة من (هيوم وماركس وفيبر وودركايم) وسواهم في إكمال الصورة عن المجتمع المسلم. 

    والإسلام وفق وجهة نظر “غلينر” يتميز عن غيره من اﻷديان بقدرته على فرض تعاليمه ومعتقداته على أتباعه، وهو ذو شخصية مستقلة عن تصرفات أتباعه في نصوصه المقدسة، التي لا يمكن لكائن من كان تغييرها؛ أو تحويرها أو العبث بها. لذلك يعرض “غلينر” أفكاره بوصفها أفكارًا موضوعية وخالية من أي تحيز أو تحامل على المجتمعات التي يدرسها، بل إن اﻷنثروبولوجيين المسلمين كانوا يعدونه من أبرز المناصرين للرأي المسلم، أو المدافعين عنه والمتفهمين لدوافعه في اﻷقل.

  ولقد احتلت دراسة المجتمعات الإسلامية اليوم من المنظور اﻷنثروبولوجي مكانة رفيعة بسبب مشاركة كل من “أرنست غلينر” ، و”كليفورد جيرتز”  في كتابه “ الإسلام ملاحظًا”، الذي أسهم وطلابه بالعديد من الدراسات اﻷنثروبولوجية المهمة  . 

  وتعرض “غلينر” ودراسته إلى النقد من قبل بعض اﻷنثروبولوجيين ، أمثال “طلال أسد” في مقالة بعنوان ( البحث عن مفهوم ﻷنثروبولوجيا الإسلام)، من أن “غلينر” بسبب الإشكالية التي يدرسها بشكل مخل ، تجاهل حيوية تاريخ المسلمين وطبيعة تعاملهم مع النصوص الإسلامية الأساسية. ويقترح “أسد” إعادة النظر في نوعية الخطاب الإسلامي برمته، اﻷمر الذي يتجاهله “غلينر” في نظره. 

   وانتقده كذلك “سامي زبيدة” انطلاقاً من زاوية مختلفة تمامًا،  فهو يرى أن أنموذج  أطروحة “غلينر” إن صدقت، فإنما تصدق على المجتمعات البدوية في شمال أفريقيا التي درسها ابن خلدون  من قبل، والتي لم يزد عليها “غلينر” الكثير ، ومن ثم فإن تعميم طروح “غلينر” على المجتمعات الإسلامية موضوع يحتاج إلى أثبات. ويقدم “زبيدة “ المجتمع اﻹسلامي العثماني” في هذا السياق، وهو مجتمع ينتمي إلى نظام اجتماعي وحضري وسياسي مركب، ويتميز ببيروقراطية كبيرة وحياة مربكة ومعقدة.

  ووفق هذا السياق يمكن تقديم مجتمعات إسلامية عدة، لها خصوصيات مختلفة كما في مجتمعات الجزيرة العربية، وفي آسيا وجنوب شرق آسيا ومجتمعات الشرق الأوسط، وكل واحد من هذه المجتمعات له خصوصية إسلامية خاصة به .