محنة التعليق الرياضي

الرياضة 2024/03/28
...

يوسف المحمداوي

أصبح المعلّق ولجميع الألعاب الرياضيَّة حاجة أكثر من ضرورية، ولا أغالي إذا ما قلت إنه كالسراج المنير وسط العتمة، وبعيداً عن التعليق العربي الذي تسيّده في بداية ظهور التعليق المصري "محمد لطيف" صاحب تعليقه الشهير "دي مش كرة دي مزيكا"، والكويتي خالد الحربان الذي اشتهر بتعليقاته ومواقفه المضحكة، فهو مثلاً في مباراة الكويت مع كوريا الجنوبية كان يسمي جميع لاعبي كوريا باسم واحد هو "كيم سونغ" لصعوبة الأسماء، وحين أطلق أحد لاعبي الكويت كرة صاروخية صرخ الحربان بأعلى صوته "انشق بنطلوني"!
العراقيون بجميع طوائفهم وأهوائهم لم ولن يتجاهلوا الصوت العذب والتعليق الراقي لشيخ المعلقين الراحل مؤيد البدري، فهو لم يكن معلقاً فقط بل هو محلل وناقد وصاحب رؤية تدريبية، بل إنه ساهم في اكتشاف العديد من المواهب، هذا الأستاذ الجامعي وصاحب أشهر برنامج "الرياضة في أسبوع"، تميز بسرعة البديهية في التعليق ومثال ذلك لا الحصر أنه في العام 1977 وفي المباراة النهائية لمنتخبنا الشبابي مع إيران، كان موقع تعليقه في المقصورة قريباً من مكان جلوس ابن الشاه، وحين رصدت الكاميرا ابن الشاه وهو المحتار والقلق عما يدور في الملعب وسيطرة الفريق العراقي، أطلق البدري كلمته الشهيرة على صورة ابن الشاه الظاهرة في الشاشة "الله لا يحيّرعبده".
اليوم بعض المعلقين وللأسف أثناء التعليق السمة البارزة لهم التكرار بالمعلومة مثلاً يكرر بأنَّ الجوية يرتدي الفانيلة الزرقاء والشرطة الخضراء، والطفل العراقي اليوم يعرف لون فانيلة أغلب نوادي العراق، أو القول: "الكرة ما زالت في الملعب" ولا أدري هل من الممكن أن تكون الكرة مع الجماهير على المدرج، والفريق الفلاني بالجانب الأيمن والآخر بالجانب الأيسر، وفي الشوط الثاني يعكس الجملة وكأنه يعلق من الراديو وليس من التلفاز، وهذا ما يذكرنا بالمعلق الراحل طارق حسن الذي كانت لازمته في كل مباراة هي عبارة "يناولها بالمباشر" ويكررها في المباراة عشرات المرات وكأنَّ هناك مناولة غير مباشرة.
أحد المعلقين بدلاً عن تزويد المشاهد بتاريخ هذا النادي أو ذاك، يأخذنا خارج أسوار الملعب ويذهب بنا للروايات والأمثال العالمية، أو قراءة القصائد العربية من غير وجود رابط بين ما يوضح للمشاهد والمباراة التي يتابعها مما يجعلنا نقول وفق المثل الشعبي هذا المعلق "يخوط بصف الاستكان"، ناهيك عن فقدان الحيادية عند البعض، فحين يكون فريقه طرفاً في المباراة حتى وإن كان في وضع سيئ تجده يطلق كلمات التمجيد وسيطرته على المباراة لكونه الفريق الذي يشجعه، والبعض عيّن نفسه بديلاً عن الحكم فهو الذي يفتي بأنَّ هذه ضربة جزاء وذاك تسلل ضارباً عرض الحائط قرارات الحكام، وهذا لا يعني أنَّ ساحة التعليق لا يوجد فيها المميز والرائع من أمثال علي لفته ورعد ناهي وغيرهم من الشباب الذين ننتظر منهم المزيد، ليزيحوا الطارئ على هذا الفن المهم للجماهير الكروية التواقة للإبداع، فمن المحزن أن نستعين بالمعلق العربي من أجل مباراة دربي، ولدينا الكثير من المواهب التي لم تصقل في مدرسة أو أكاديمية خاصة بالتعليق لتتعلم أبجدياته والغوص في عالمه العلمي.